للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨٨٨١ - (د) أبو هريرة - رضي الله عنه - أَنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- قال: ⦗٣٢٠⦘ «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كلِّ مائةٍ سنةٍ من يُجَدِّد لها دينَها» . أخرجه أبو داود (١) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(من يجدِّدُ لها دينَها) قد تكلَّم العلماءُ في تأويل هذا الحديث، كُلُّ واحد في زمانه، وأشاروا إلى القائم الذي يجدِّد للناس دينَهم على رأس كلِّ مائةِ سنةٍ، وكأنَّ كل قائل قد مال إلى مذهبه وحمل تأويل الحديث عليه، والأولى أن يحمل الحديث على العموم، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنةٍ من يُجدِّد لها دِينَها» ولا يلزم منه أن يكون المبعوث على رأس المائة رجلاً واحداً، وإنما قد يكون واحداً، وقد يكون أكثر منه فإن لفظة «مَنْ» تقع على الواحد والجمع، وكذلك لا يلزم منه أن يكون أراد بالمبعوث: الفقهاء خاصة، كما ذهب إليه بعض العلماء، فإن انتفاع الأمة بالفقهاء، وإن كان نفعاً عامَّاً في أمور الدين، فإن انتفاعهم بغيرهم أيضاً كثير مثل أولي الأمر، وأصحاب الحديث والقُرَّاء والوعَّاظ، وأصحاب الطبقات من الزّهاد، فإن كل قوم ينفعون بفنّ لا ينفع به الآخر، إذ الأصل في حِفْظِ الدِّين حفظُ قانون السياسة، وبث العدل والتناصف الذي به تحقن الدماء ⦗٣٢١⦘ ويتمكَّن من إقامة قوانين الشرع، وهذا وظيفة أُولي الأمر، وكذلك أصحاب الحديث: ينفعون بضبط الأحاديث التي هي أدلّة الشرع، والقُرَّاء ينفعون بحفظ القراءات وضبط الروايات، والزُّهاد ينفعون بالمواعظ والحث على لزوم التقوى والزهد في الدنيا، فكل واحد ينفع بغير ما ينفع به الآخر، لكن الذي ينبغي أن يكون المبعوث على رأس المائة: رجلاً مشهوراً معروفاً، مشاراً إليه في كل فن من هذه الفنون، فإذا حُمِلَ تأويل الحديث على هذا الوجه كان أولى، وأبعدَ من التهمة، وأشبه بالحكمة، فإن اختلاف الأئمة رحمة، وتقرير أقوال المجتهدين متعيِّن، فإذا ذهبنا إلى تخصيص القول على أحد المذاهب، وأوّلنا الحديث عليه، بقيت المذاهب الأخرى خارجةً عن احتمال الحديث لها، وكان ذلك طعناً فيها.

فالأحسن والأجدر أن يكون ذلك إشارة إلى حدوث جماعةٍ من الأكابر المشهورين على رأس كل مائةِ سَنَةٍ يجدَّدون للناس دِينَهم، ويحفظون مذاهبهم التي قلّدوا فيها مجتهديهم وأئمتهم.

ونحن نذكر الآن المذاهب المشهورة في الإسلام التي عليها مدار المسلمين في أقطار الأرض، وهي مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، ومالك، وأحمد، ومذهب الإمامية (*) ، ومن كان المشار إليه من هؤلاء على رأس كل مائة سنة، وكذلك من كان المشار إليه من باقي الطبقات. ⦗٣٢٢⦘

وأما من كان قبل هذه المذاهب المذكورة، فلم يكن الناس مجتمعين على مذهب إمام بعينه، ولم يكن قبل ذلك إلا المائة الأولى، كان على رأسها من أُولي الأمر: عمر بن عبد العزيز، ويكفي الأمة في هذه المائة وجوده خاصة، فإنه فَعَلَ في الإسلام ما ليس بخافٍ.

وكان من الفقهاء بالمدينة: محمد بن علي الباقر، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصِّديق، وسالم بن عبد الله بن عمر.

وكان بمكة منهم: مجاهد بن جبر، وعكرمة مولى ابن عباس، وعطاء بن أبي رباح.

وكان باليمن: طاوس، وبالشام: مكحول، وبالكوفة: عامر بن شَراحيل الشعبي، وبالبصرة: الحسن البصري، ومحمد بن سيرين.

وأما القُرَّاء على رأس المائة الأولى، فكان القائم بها عبد الله بن كثير.

وأما المحدِّثون فـ: محمد بن شهاب الزهري، وجماعةٌ كثيرة مشهورون من التابعين وتابع التابعين.

وأما من كان على رأس المائة الثانية، فمن أُولي الأمر: المأمون بن الرشيد، ومن الفقهاء: الشافعي، والحسن بن زياد اللؤلؤي من أصحاب أبي حنيفة، وأشهب بن عبد العزيز من أصحاب مالك، وأما أحمد: فلم يكن يومئذ مشهوراً، فإنه مات سنة إحدى وأربعين ومائتين. ⦗٣٢٣⦘

ومن الإمامية (*) : علي بن موسى الرضى، ومن القراء: يعقوب الحضرمي، ومن المحدّثين: يحيى بن معين، ومن الزهاد: معروف الكرخي.

وأما من كان على رأس المائة الثالثة، فمن أُولي الأمر: المقتدر بأمر الله، ومن الفقهاء: أبو العباس بن سريج من أصحاب الشافعي، وأبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي من أصحاب أبي حنيفة،. . . (٢) من أصحاب مالك، وأبو بكر بن هارون الخلال من أصحاب أحمد، وأبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي من الإمامية (*) .

ومن المتكلِّمين: أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري.

ومن القُرَّاء: أبو بكر أحمد بن موسى بن مجاهد.

ومن المحدِّثين: أبو عبد الرحمن بن شعيب النسائي.

وأما من كان على رأس المائة الرابعة، فمن أُولي الأمر: القادر بالله، ومن الفقهاء: أبو حامد أحمد بن طاهر الإسفراييني من أصحاب الشافعي، وأبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي من أصحاب أبي حنيفة، وأبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر من أصحاب مالك، وأبو عبد الله الحسين بن علي بن حامد، من أصحاب أحمد.

ومن الإمامية (*) : المرتضى الموسوي أخو الرضى الشاعر.

ومن المتكلِّمين: القاضي أبو بكر محمد بن الطيب الباقلاني، والأستاذ أبو بكر محمد بن الحسن بن فَوْرك. ⦗٣٢٤⦘

ومن المحدِّثين: أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري المعروف بالحاكم [ابن] البيِّع.

ومن القُرَّاء: أبو الحسن علي بن أحمد الحمامي.

ومن الزُّهاد: أبو بكر محمد بن علي الدينوري.

وأما من كان على رأس المائة الخامسة، فمن أولي الأمر: المستظهر بالله.

ومن الفقهاء: الإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي من أصحاب الشافعي، والقاضي فخر الدين محمد بن علي الأرسابندي المروزي من أصحاب أبي حنيفة،. . . (٣) من أصحاب مالك، وأبو الحسن علي بن عبيد الله الزاغوني من أصحاب أحمد.

ومن المحدِّثين: رزين بن معاوية العبدري.

ومن القُرَّاء: أبو العز محمد بن الحسين بن بندار القلانسي.

هؤلاء كانوا المشهورين في هذه الأزمنة المذكورة.

وقد كان قبيل كل مائة أيضاً من يقوم بأمور الدين، وإنما المراد بالذكر من انقضت المائة وهو حي عالم مشهور مشار إليه.


(١) رقم (٤٢٩١) في الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة، وإسناده صحيح، ورواه أيضاً الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
(٢) كذا في الأصل بياض.
(٣) كذا في الأصل بياض.

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة:
ذكر ابن الأثير رحمه الله هنا (١١ / ٣٢١ - ٣٢٣) :
المذاهب المشهورة في الإسلام وعد منها مذهب الإمامية
وذكر أيضاً المجددين وذكر منهم على رأس المائة الثالثة أبو جعفر محمد بن يعقوب الرازي من الإمامية.
الجواب [عن ذلك] على قسمين:
"الأول: في حال ثبوت هذا الأمر عن ابن الأثير كما هو ظاهر في المطبوع الذي اعتمد فيه على عدد من المخطوطات بتحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله، وكذلك في نقل العلماء عنه كصاحب عون المعبود، فيجاب عن ذلك بأن هذه زلة من ابن الأثير رحمه الله وخطأ محض، ولعله عذره في ذلك أنه لم يكن على معرفة تامة بأحوال هؤلاء الرافضة وما عندهم من مخالفات عقدية، وهذا لا يسقط عنه اللوم تماما وإنما يخفف عنه اللوم ويعتذر به لابن الأثير لما علم عنه من خدمة السنة النبوية.
الثاني: قد ذكر ابن خلكان في الوفيات أن جماعة ساعدوا ابن الأثير في الاختيار والكتابة أثناء كتابته لتصانيفه، فلعل أحدهم له ميول رافضية قد أدخل مثل هؤلاء الرافضة ضمن المجددين. "
[الشيخ عبد الرحمن الفقيه]

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
أخرجه أبو داود (٤٢٩١) قال: حدثنا سليمان بن داود المهدي قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني سعيد بن بن أبي أيوب، عن شراحيل بن زيد المعافري، عن أبي علقمة، فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>