للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٩٢٠٤ - (خ م) البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: «جاء أبو بكر إلى أبي في منزله، فاشترى منه رَحْلاً، فقال لعازب: ابعث مَعِي ابنَكَ يحمله معي إلى منزلي، فقال لي أبي: احمله فحملته، وخرج أبي معه يَنتَقِد ثمنَه، فقال له أبي: يا أبا بكر كيف صنعتما ليلةَ سَرَيتَ مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم، أسَرْيَنا ليلتنا كلَّها، حتى قام قائمُ الظَّهيرة، وخلا الطريق فلا يمرُّ فيه ⦗٥٩٧⦘ أحد، حتى رُفِعَتْ لنا صَخْرةٌ طويلة لها ظِلٌّ لم تأتِ عليه الشمس بعدُ، فنزلنا عندها، فأتيتُ الصخرةَ فسوَّيتُ بيديّ مكاناً ينام فيه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- في ظِلِّها، ثم بسطتُ عليه فَروَةً، ثم قلت: نَمْ يا رسولَ الله، وأنا أنفُضُ لك ما حولَك، فنام، وخرجتُ أنْفُضُ ما حوله، فإذا أنا بِراعٍ مقبلٍ بغنمه إلى الصخرة، يريد منها الذي أردنا فلقيته، فقلت: لمن أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من أهل المدينة، فقلت: أفي غنمك لبَنٌ؟ قال: نعم، قلت: أفتحلب لي؟ قال: نعم فأخذ شاة، فقلت له: انْفُض الضَّرع من الشعر والتراب والقَذَى - قال: فرأيتُ البراءَ يضرب بيده على الأخرى ينفض - فحلب لي في قَعْبٍ معه كُثْبَةً من لبن، قال: ومعي إِداوة أَرتَوِي فيها للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم- ليشربَ منها ويتوضأ، قال: فأتيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم-، فشرب منها وتوضَّأ، وكرهتُ أن أوقِظَهُ من نومه، فوقفتُ قد استيقظ، - وفي رواية: فوافقته استيقظ - فصَبَبْتُ على اللَّبَنِ من الماء حتى برد أسفَلُهُ، فقلت: يا رسولَ الله، اشربْ من هذا اللبن، قال: فشرب حتى رضيتُ، ثم قال: ألَمْ يأْنِ للرَّحيل؟ قلتُ: بلى، قال: فارتحلنا بعد ما زالتِ الشمس، وأتبَعَنَا سُراقة بنُ مالك ونحن في جَلْدٍ من الأرض، فقلت: يا رسولَ الله، أُتِينا، فقال: لا تَحْزَنْ، إنَّ الله معنا، فدعا عليه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-، فارتَطَمَتْ فَرَسُهُ إلى بطنها - أُري - فقال: إني قد علمتُ أنكما [قد] دعوتما عَلَيَّ، فادعوا لي، واللهُ لَكُمَا أن أُردَّ عنكما الطَلَبَ، فدعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- الله، فنجا، فرجع ⦗٥٩٨⦘ لا يلقَى أحداً إلا قال: كُفِيتمْ ما هاهنا، فلا يلقى أحداً إلا ردَّه، [قال] : وَوَفَى لنا» .

زاد في رواية: «أن سراقة قال: وهذه كِنانتي، فخذ سهماً منها، فإنك ستمرُّ على إبلِي وغلماني بمكان كذا وكذا، فخذ منها حاجَتَكَ، قال: لا حاجةَ لي في إبلك، فَقَدِمْنا المدينةَ ليلاً، فتنازعوا: أيُّهم ينزِل عليه [رسولُ الله] فقال: أنزِلُ على بني النجار أخوال عبد المطلب، أُكرِمهم بذلك، فَصَعِدَ الرجال والنساء فوق البيوت، وتفرّق الغلمان والخَدَم في الطرق، ينادون: يا محمد يا رسولَ الله، يا محمد يا رسولَ الله» . وفي رواية أخرى: «جاء محمد رسولُ الله» .

زاد في أخرى: وقال البراء: «فدخلت مع أبي بكر على أهله، فإذا عائشةُ ابنَتُهُ مُضْطجِعَةٌ، قد أصابتها حُمَّى، فرأيتُ أباها يُقَبِّل خدَّها، ويقول: كيف أنتِ يا بُنَيَّة؟» .

وفي أخرى زيادة: أن البراء قال: «قال أبو بكر - يعني لما خرج مع رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- من مكة إلى المدينة - مَرَرْنَا براعٍ، وقد عَطِشَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- قال أبو بكر الصِّدِّيق: فأخذتُ قَدَحاً فحلبت فيه لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- كُثْبَةً من لَبَنٍ، فأتيته بها، فشرب حتى رَضِيتُ» . ⦗٥٩٩⦘ هكذا وقع مَفْصُولاً من حديث الرَّحْل. أخرجه البخاري ومسلم (١) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(الرَّحْل) سرج البعير - وهو الكور - وقد يراد به القَتب والحداجة.

(قائم الظهيرة) : أشد الحرِّ وسط النهار، وقائمها: وقت استواء الشمس في وسط السماء.

(كُثبة) الكُثْبَة: القليل من اللبن.

(أرتوي) فيها الماء، أي: أحمله للوضوء والشرب.

(ألم يأنِ) : ألم يقرب ويجئ وقت الرواح.

(الجَلد) : الأرض الغليظة الصلبة.

(أُتينا) أُتِيَ الرجل، أي: قصد وطلب، والمراد: أنهم لحقونا وأدركونا.

(فارتَطَمَتْ) ارتطمت في الوحل: إذا نشبت فيه ولم تكد تتخلص، وارتطم الرجل في أمره: إذا سُدّت عليه مذاهبه.


(١) رواه البخاري ٧ / ٢٠٠ في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، باب هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وفي اللقطة، باب من عرف اللقطة ولم يدفعها إلى السلطان، وفي الأنبياء، باب علامات النبوة في الإسلام، وفي الأشربة، باب شرب اللبن، ومسلم رقم (٢٠٠٩) في الزهد، باب في حديث الهجرة ويقال له: حديث الرحل.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
متفق عليه:
١ - أخرجه أحمد (١/٢) (٣) قال: حدثنا عمرو بن محمد أبو سعيد - يعني العنقزي -. والبخاري (٣/١٦٦) قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا النضر. وفي (٣/١٦٦ و ٥/٣) قال: حدثنا عبد الله بن رجاء. ومسلم (٨/٢٣٧) قال: وحدثنيه زهير بن حرب، قال: حدثنا عثمان بن عمر. (ح) وحدثناه إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا النضر بن شميل. أربعتهم - عمرو، والنضر، وعبد الله، وعثمان - عن إسرائيل.
٢ - وأخرجه أحمد (١/٩) (٥٠) مختصرا، قال: حدثنا محمد بن جعفر. والبخاري (٥/٧٨) قال: حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا غندر. وفي (٧/١٤١) قال: حدثني محمود، قال: أخبرنا النضر. ومسلم (٦/١٠٤) قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، قال: حدثنا أبي. (ح) وحدثنا محمد بن المثنى، وابن بشار، قالا: حدثنا محمد بن جعفر. ثلاثتهم - محمد بن جعفر «غندر» ، والنضر، ومعاذ - قال النضر: أخبرنا، وقال الآخران: حدثنا شعبة.
٣ - وأخرجه البخاري (٤/٢٤٥) قال: حدثنا محمد بن يوسف، قال: حدثنا أحمد بن يزيد بن إبراهيم أبو الحسن الحراني. ومسلم (٨/٢٣٦) قال: حدثني سلمة بن شبيب، قال: حدثنا الحسن بن أعين. كلاهما - أحمد، والحسن - قالا: حدثنا زهير.
٤ - وأخرجه البخاري (٥/٨٢) قال: حدثنا أحمد بن عثمان، قال: حدثنا شريح بن مسلمة، قال: حدثنا إبراهيم بن يوسف، عن أبيه.
أربعتهم - إسرائيل، وشعبة، وزهير بن معاوية، ويوسف - عن أبي إسحاق الهمداني، قال: سمعت البراء، فذكره.
* زاد في رواية عمرو بن محمد أبي سعيد العنقزي، عن إسرائيل: «ومضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا معه حتى قدمنا المدينة، فتلقاه الناس، فخرجوا في الطريق وعلى الأجاجير، فاشتد الخدم والصبيان في الطريق، يقولون: الله أكبر، جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، جاء محمد، قال: وتنازع القوم أيهم ينزل عليه، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنزل الليلة على بني النجار أخوال عبد المطلب لأكرمهم بذلك، فلما أصبح غدا حيث أمر. قال البراء بن عازب: أول من كان قد قدم علينا من المهاجرين مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار، ثم قدم علينا ابن أم مكتوم الأعمى، أخو بني فهر، ثم قدم علينا عمر بن الخطاب في عشرين راكبا. فقلنا: ما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: هو على أثري. ثم قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر معه. قال البراء: ولم يقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى قرأت سورا من المفصل» .

<<  <  ج: ص:  >  >>