للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والناس في قبول المراسيل مختلفون.

فذهب أبو حنيفة، ومالك بن أنس، وإبراهيم النخعي، وحماد بن أبي سليمان، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، ومن بعدهم من أئمة الكوفة إلى أن المراسيل مقبولة، محتج بها عندهم (١) ، حتى إن منهم من قال: إنها أصح من المتصل المسند، فإن التابعي إذا أسند الحديث أحال الرواية على من رواه عنه، وإذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه لا يقوله إلا بعد اجتهاد في معرفة صحته.

وأما أهل الحديث قاطبة. أو معظمهم، فإن المراسيل عندهم واهية غير


(١) وإليه جنح جمع من المحدثين، وهو رواية عن أحمد إذا لم يكن في الباب شيء يدفعه، وحكاه النووي في " شرح المهذب " عن كثير من الفقهاء، بل أكثرهم، ونسبه الغزالي إلى الجمهور، وادعى ابن جرير الطبري وابن الحاجب إجماع التابعين على قبوله، وتوزعا في دعوى الإجماع بما نقل من عدم الاحتجاج به عن بعض التابعين كسعيد بن المسيب وابن سيرين والزهري، فلو قيل: باتفاق جمهور التابعين لكان أقرب إلى الصواب. وذكر الإمام أبو داود صاحب " السنن " في رسالته إلى أهل مكة المتداولة بين أهل العلم بالحديث: وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري، ومالك بن أنس والأوزاعي حتى جاء الشافعي فتكلم فيه وتابعه عليه أحمد وغيره.
نقول: وقد اشترط القائلون بالمرسل أن يكون المرسل ثقة، وأن يكون متحرياً لا يرسل إلا عن الثقات، فإن لم يكن في نفسه ثقة أو لم يكن محتاطاً في روايته. فمرسله غير مقبول. فإن قيل: ما الحامل لمن كان لا يرسل إلا عن ثقة على الإرسال؟ فالجواب – وهو للحافظ ابن حجر – أن له أسباباً منها أن يكون سمع الحديث عن جماعة ثقات وصح عنده، فيرسل اعتماداً على صحته عن شيوخه، كما صح عن إبراهيم النخعي أنه قال: ما حدثتكم عن ابن مسعود، فقد سمعته عن غير واحد، وما حدثتكم به وسميت، فهو عمن سميت، ومنها أن يكون نسي من حدثه وعرف المتن، فذكره مرسلاً، لأن أصل طريقته أن لا يحمل إلا عن ثقة، ومنها أن لا يقصد التحديث بل يذكره على وجه المذاكرة، أو على جهة الفتوى، فيذكر المتن، لأن المقصود في تلك الحالة دون السند، لا سيما إذا كان السامع عارفاً بمن روى فتركه لشهرته وغير ذلك من الأسباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>