للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والصحيح: أن هذا يختلف باختلاف أحوال المزكي، فمن حصلت الثقة ببصيرته، وضبطه يُكتفى بإطلاقه، ومن عُرِفَت عدالته في نفسه ولم تعرف بصيرته بشرط العدالة، فقد يُراجَعُ ويستَفْسَر.

أما إذا تعارض الجرح والتعديل، فإنه يُقدم الجرح (١) ، فإنه اطلاع على زيادة وصف ما اطلع عليها المعدل ولا نفاها، فإن نفاها، بطلت عدالة


(١) جاء في " طبقات الشافعية " للعلامة التاج السبكي في ترجمة أحمد بن صالح المصري ١/١٨٨ ما نصه: الحذر كل الحذر أن تفهم أن قاعدتهم " الجرح مقدم على التعديل " على إطلاقها، بل الصواب أن من ثبتت إمامته وعدالته، وكثر مادحوه، وندر جارحوه، وكان هناك قرينة دالة على سبب جرحه من تعصب مذهبي أو غيره لم يلتفت إلى جرحه. وفيه أيضاً ١/١٩٠: قد عرفناك أن الجارح لا يقبل منه الجرح وإن فسره في حق من غلبت طاعاته على معاصيه، ومادحوه على ذاميه، ومزكوه على جارحيه إذا كانت هناك منافسة دنيوية كما يكون بين النظراء أو غير ذلك، وحينئذ فلا يلتفت لكلام الثوري وغيره في أبي حنيفة، وابن أبي ذئب وغيره في مالك، وابن معين في الشافعي، والنسائي في أحمد بن صالح ونحوه، ولو أطلقنا تقديم الجرح لما سلم لنا أحد من الأئمة، إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون، وهلك فيه هالكون.
نقول: وقد غفل عن هذا الأصل العظيم – أو تغافل – الشيخ ناصر الألباني في كتابه " الأحاديث الضعيفة " ٥/٧٦، ٧٨، فنبز الإمام أبا حنيفة المتفق على جلالته بسوء الحفظ، تقليداً لمقالة من طعن فيه بسبب العداوة المذهبية، ولم يذكر إلى جانب ذلك أقوال مزكيه ومعدليه – وهم بحمد الله تعالى أئمة أثبات ثقات – وهو مناف للروح العلمية النزيهة، وما نقله عن عُداة هذا الإمام وخصومه لا يلتفت إليه عند المحققين من العلماء ذوي النصفة، كما تجد ذلك مفصلاً في " الرفع والتكميل " و " التعليق الممجد " للإمام اللكنوي "، و " تأنيب الخطيب " و " مقدمة نصب الراية " للعلامة الكوثري، وغيرها. وكفى بالعداوة المذهبية مسوغاً لرد كل ما قيل في حق هذا الإمام العظيم من أقاويل مزيفة ظالمة.
وما مثل من يتكلم في مثل هذا الإمام إلا كما قال أعشى قيس:
كناطِحٍ صخرةً يوماً لِيَفْْلِقَها ... فلم يضِرْها وأوهى قَرْنَهُ الوَعِل

<<  <  ج: ص:  >  >>