وقال محمد بن أبي بكر بن عبد الرزاق: كان لأبي داود كُمُّ واسع وكُمُّ ضيِّق، فقيل له: يرحمك الله! ما هذا؟ قال: الواسع للكتب، والآخر لا نحتاج إليه.
وقال أبو سليمان الخطابي: كتاب «السنن» لأبي داود، كتاب شريف لم يصنف في علم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من كافة الناس، على اختلاف مذاهبهم، فصار حَكَمًا بين فرق العلماء، وطبقات الفقهاء، فلكل فيه ورد، ومنه شِرب، وعليه معوَّل أهل العراق ومصر وبلاد المغرب، وكثير من مدن أقطار الأرض، فأما أهل خراسان، فقد أولع أكثرهم بكتاب محمد بن إسماعيل البخاري، وكتاب مسلم بن الحجاج النيسابوري.
وقال: قال أبو داود: ما ذكرت في كتابي حديثًا اجتمع الناس على تركه.
وكان تصنيف علماء الحديث قبل زمان أبي داود:«الجوامع» و «المسانيد» ، ونحوهما، فتجمع تلك الكتب - إلى ما فيها من «السنن» و «الأحكام» -:
أخبارًا وقصصًا، ومواعظ وأدبًا. فأما «السنن» المحضة، فلم يقصد أحد منهم إفرادها واستخلاصها من أثناء تلك الأحاديث، ولا اتفق له ما اتفق لأبي داود، ولذلك حلَّ هذا الكتاب عند أئمة الحديث وعلماء الأثر مَحَلَّ العجب، فضُرِبت إليه أكباد الإبل، ورامت إليه الرحل.