للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٢ - (م ت د س) يحيى بن يعمر: قال: كان أول من قال في القَدَر (١) بالبَصْرَةِ: مَعْبدٌ الجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أنا وحُمَيْدُ بنُ عبد الرحمن الحِمْيَريّ حَاجَّيْنِ، أو مُعْتَمِرَيْنِ، فقلنا: لو لَقِينا أحدًا من أصْحَابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ⦗٢٠٩⦘ فسألناه عما يَقول هؤلاء في القَدَر؟ فَوُفِّقَ لنا عبدُ الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - داخلاً المسجد، فاكتنفتُه أنا وصَاحبي، أحدُنا عن يمينه، والآخَرُ عن شِماله، فظننتُ أنَّ صاحبي سَيَكِلُ الكلامَ إليَّ، فقلتُ: أبا عبد الرحمن! إنه قد ظَهَرَ قِبَلَنا أُنَاسٌ يَقرؤُون القُرآنَ، ويتَقَفَّرون الْعِلْمَ، وذكَرَ من شأنِهِمْ، وأنّهم يزعمون أن لا قَدَرَ، وأنَّ الأمْرَ أُنُفٌ، فقال: إذا لَقِيتَ أُولئك فأخْبِرْهم: أنِّي بَريءٌ منهم، أنَّهم بُرَآءُ مِني، والذي يَحْلِفُ به عبْدُ اللهِ بن عمر: لَوْ أن لأحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدِ ذَهَبًا فأنفَقَهُ، ما قَبِلَ اللهُ منه حتَّى يُؤمِنَ بالقدَرِ، ثم قال: حدَّثَنِي أبي عُمرُ بنُ الخطَّاب، قال: بَيْنَما نحنُ جلوسٌ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يومٍ، إذ طَلعَ عليْنا رجلٌ شَديدُ بياض الثِّياب، شديدُ سوادِ الشَّعر، لا يُرى عليه أثرُ السَّفَر، ولا يعرفُه مِنَّا أحدٌ، حتَّى جَلَسَ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فأسْندَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ، ووَضعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيهِ وقال: يا محمَّدُ، أخبرني عن الإسلام، فقالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «الإسلام أن تَشهدَ أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله، وتُقيمَ الصَّلاة، وتؤتيَ الزكاة، وتصومَ رمضان، وتَحُجَّ البيْتَ إن استطعت إليه سبيلاً» . قال: صدقت، قال: فَعَجِبنا لَهُ يَسْألُه ويُصدِّقُه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: «أنْ تُؤمن باللهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكتبه، ورُسُلِه، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدَر خَيْرِهِ وشَرِّهِ» . قال: صدَقْتَ، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: «أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تَراه، فإنه يَراكَ» . قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: «ما المسؤول ⦗٢١٠⦘ عنها بِأعْلَمَ من السَّائِلِ» . قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: «أنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتُها، وأنْ تَرَى الحُفَاةَ الْعُرَاةَ، العالَةَ رِعاءَ الشاءِ يتَطاوَلون في البُنْيان» ، قال: ثم انطلَقَ، فلبِثَ (٢) مَليًّا ثم قال لي: «يا عمر، أتدري مَنِ السَّائل؟» قُلْتُ: الله ورسُولُه أعلم، قال: «فإنَّه جبريل أتاكم يُعلِّمُكم دينَكُمْ (٣) » ، هذا لفظُ مُسْلِمٍ.

قال الْحُمَيْدِيُّ: جَمعَ مُسلِمٌ فيه الروايات، وذكَرَ ما أوْرَدْنا من المَتْنِ، وأنَّ في بعض الرِّوايات زيادةً ونُقصانًا.

وأخْرَجهُ الترمذيُّ بنحوه، وتقديم بعضه وتأخيره.

وفيه: قال عُمرُ: فلقيني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بعدَ ثلاثٍ، فقال لي: «يا عُمَرُ، هل تدري مَنِ السائل؟ ... » الحديث.

وأخرجه أبو داود بنحوه، وفيه «فَلَبِثَ ثلاثًا (٤) » .

وفي أخرى له: قال: فما الإسلام؟ قال: «إقامُ الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجُّ البيت، وصوم شهر رمضان، والاغتسال من الجنابة» . ⦗٢١١⦘

وفي أخرى لأبي داود: عن يحيى بن يَعْمَرَ، وحُمَيْد بن عبد الرحمن قالا: لَقِينَا عبد الله بن عمر، فذكرنا له القدَرَ، وما يقولون فيه؟ فذكر نحوه، وزاد: قال: وسأله رجل من مُزَينة، أو جهَينة، فقال: يا رسول الله، فيم نعمل؟ في شيء خلا ومضى، أو شيء يُستأنف الآن؟ قال: «في شيء (٥) خلا ومضى» . فقال الرَّجل- أوْ بَعْضُ القوم - ففيمَ العملُ؟ قال: «إن أهل الجنَّة مُيسَّرون (٦) لعمل أهل الجنة، وإنَّ أهل النار مُيسَّرون (٦) لعمل أهل النار» .

وأخرجه النّسائي مثلَ رواية مسلم، إلا أنَّه أسقط حديثَ يحيى بن يَعمَر، وذِكْرَ مَعْبَدٍ، وما جَرى له مَعَ ابنِ عُمَر في ذكر القَدَر - إلى قوله: «حتى تُؤمن بالقدَر» .

وأوَّلُ حديثه قال ابن عمر: حدّثني أبي - وسرد الحديث إلى قوله - «البُنيان» . ثم قال: قال عُمَرُ: فلبث ثلاثًا، ثم قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتدري من السائل؟ ... » الحديث.

وزاد هو والترمذي وأبو داود بعد «العُراةِ» - «العَالَة» (٧) . ⦗٢١٢⦘

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

القَدَر: القَدرُ: مصدر قَدَرَ يَقْدُر، وقد تُسكَّنُ داله، وهو ما قضاه الله تعالى، وحكم به من الأمور.

اكتنفه: كَنفْتُ الرَّجُلَ واكْتَنفتهُ، أي صرتُ مما يليه، وكذلك إذا قُمت بأمره.

سَيَكِلُ: وكَلت الأمر إليه أكِلُهُ: إذا رددته إليه، واعتمدت فيه عليه، واستكفيته إياه.

يقتفرون: الاقتفار، والتقفر، والاقتفاء، والاقتداء: الاتباع، يقال: اقتفرت الأرض والأثر، وتقفرت.

الأنف: أنف: أي مستأنف، من غير أن يسبق له سابق قضاء وتقدير، وإنما هو مقصور على الاختيار.

الإحسان: قال الخطابي: إنما أراد بالإحسان هنا: الإخلاص، وهو شرط في صحة الإيمان، والإسلام معًا، وذلك أن من تلفظ بالكلمة، وجاء بالعمل من غير نية وإخلاص لم يكن محسنًا، ولا كان إيمانه صحيحًا.

رَبتها، وربها: الرب: السيد، والمالك، والصاحب، والمدبر، والمربي، والمولى، والمراد به في الحديث: السيد، والمولى، وهي الأمة تلد للرجل فيكون ابنها مولى لها، وكذلك ابنتها، لأنها في الحسب كأبيها، ⦗٢١٣⦘ والمراد: أن السبي يكثر، والنعمة تفشو في الناس وتظهر.

رعاء الشاء: الرعاء: جمع راع، والشاء: جمع شاة.

مَلِيّاً: المليُّ: طائفة من الزمان طويلة، يقال: مضى مليٌّ من النهار، أي: ساعة طويلة منه.

العالة: الفقراء: جمع عائل، والعيل: الفقر.


(١) أي: أول من قال بنفي القدر فابتدع وجانب الصواب الذي عليه أهل الحق، ومذهب أهل السنة إثبات القدر، ومعناه: أن الله تبارك وتعالى قدر الأشياء في القدم، وعلم سبحانه أنها ستقع في أوقات معلومة عنده تعالى، فهي تقع على حسب ما قدرها.
(٢) في مسلم: فلبثت.
(٣) قال البغوي رحمه الله: جعل النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام هنا اسماً لما ظهر من الأعمال، والإيمان اسماً لما بطن من الاعتقاد، وليس ذاك لأن الأعمال ليست من الإيمان، ولا لأن التصديق ليس من الإسلام، بل ذاك تفصيل لجملة كلها شيء واحد وجماعها الدين، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " أتاكم يعلمكم
دينكم ". وقال سبحانه وتعالى: {ورضيت لكم الإسلام دينا} . وقال: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه} ، ولا يكون الدين في محل الرضى والقبول إلا بانضمام التصديق.
(٤) في أبي داود: فلبثت.
(٥) في سنن أبي داود: أفي شيء.
(٦) في سنن أبي داود: ييسرون.
(٧) مسلم في الإيمان: باب وصف جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم الإسلام والإيمان رقم (٨) ، والترمذي فيه أيضاً رقم (٢٧٣٨) ، وأبو داود في السنة: باب في القدر رقم (٤٦٩٥) ، والنسائي في الإيمان: باب نعت الإسلام ٨/٩٧.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: طريق يحيى بن يعمر عن ابن عمر - رضي الله عنهما -:
أخرجه أحمد (١/٥٢) (٣٧٤) ، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، وفي (١/٥٣) (٣٧٥) ، قال: ثنا أبو أحمد: ثنا سفيان، عن علقمة، وفي (٢/١٠٧) (٥٨٥٦) قال: ثنا عفان، قال: حدثنا حماد بن سلمة قال: أخبرنا علي بن زيد، وفي (٢/١٠٧) (٥٨٥٧) قال: ثنا عفان، قال: ثنا حماد بن سلمة، عن إسحاق بن سويد، وأخرجه أبو داود [٤٦٩٧] قال: ثنا محمود بن خالد، قال: ثنا الفريابي، عن سفيان، قال: ثنا علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة، والنسائي في الكبرى قال: أخبرنا أبو داود، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا شريك، عن الركين بن الربيع.
أربعتهم عن يحيى بن يعمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>