للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨٨ - (خ م ط د ت س) عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - حصيرٌ، وكان يُحَجِّرُهُ باللَّيل فيُصلي فيه، ويَبْسُطُهُ بِالنَّهار، فَيَجْلِس عليه، فجعل النَّاسُ يَثُوبُونَ إلى النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، يُصَلُّونَ بصلاته، حتَّى كَثُرُوا، فأقبَلَ، فقال: «يا أيُّها النَّاسُ، خُذُوا من الأعمال ما تطيقون، فإنَّ الله لا يَمَلُّ (١) ⦗٣٠٤⦘ حتَّى تَملُّوا (*) ، وإنَّ أحَبَّ الأعمال إلى الله ما دَامَ وإن قلَّ» .

زاد في رواية: «وكان آلُ محمَّدٍ إذا عَمِلُوا عَملاً أثبَتُوه» .

وفي رواية قال: إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سُئلَ، أيُّ العَمَل أحبُّ إلى الله؟ قال: «أدْوَمُهُ وإنْ قَلَّ» .

زادَ في رواية «واكْلَفُوا من الْعَمَلِ ما تُطيقون» .

وفي رواية أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَدِّدُوا وقاربُوا، واعلموا أنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ أحَدَكُم عَمَلُهُ الجَنَّةَ، وأنَّ أحبَّ الأعمال إلى الله أدْوَمُها وإنْ قلَّ» .

زاد في أخرى: «وأبشِرُوا، قالوا: ولا أنتَ يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يَتَغَمَّدَني اللهُ بِمَغْفِرَةٍ ورَحْمَةٍ» . ⦗٣٠٥⦘

هذه روايات البخاري ومسلم.

وللبخاري و «الموطأ» . قالت: كان أحبُّ الأعمال إلى الله الَّذي يدومُ عليه صاحبُهُ.

ولمسلم: كان أحبُّ الأعمال إلى الله أدومَها وإن قلَّ.

وكانت عائشة إذا عَمِلتِ العمل لَزِمَتْهُ.

وفي رواية الترمذي: كان أحب العمل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما ديم عليه.

وفي أخرى له قال: سُئِلَتْ عائِشةُ وأمُّ سَلَمَة: أيُّ العمل كان أحبَّ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالتا: ما دِيمَ عَلَيْهِ وإنْ قَلَّ.

وفي رواية أبي داود: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اكْلَفوا من العمل ما تُطيقون، فإنَّ الله لا يَملُّ حتَّى تَملُّوا (*) ، وإنَّ أحبَّ العملِ إلى الله أدومُهُ وإن قلَّ، وكان إذا عمل عملاً أثبته» .

وفي أخرى له قال: سألتُ عائشةَ: كيف كان عملُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ هل كان يَخُصُّ شيئًا من الأيام؟ قالت: لا، كان عَملُه دِيمةً، وأيُّكم يستطيع ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستطيع؟.

وفي رواية النسائي. قالت: كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيرةٌ يَبْسُطُها، ويحتجرها بالليل، فيُصلي فيها، ففَطِنَ له النَّاس، فصلَّوْا بصلاتِهِ، وبينهم وبينه الحصيرة، فقال: «اكلَفُوا مِنَ العَملِ ما تُطيقون، فإنَّ الله تبارك وتعالى لا يمل حتَّى تملُّوا، فإنَّ أحبَّ العمل إلى الله أدْوَمُهُ وإن قَلَّ، ثُمَّ تركَ مُصَلَاّه ذلك. فما عاد له حتى قبضَه الله عزَّ وجلَّ، وكان إذا عَمِلَ عملاً ⦗٣٠٦⦘ أثْبَتَهُ (٢) » .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

يُحَجِّرُهُ: حَجَّرَهُ يُحَجِّرُهُ، أي: يتخذه حُجْرة وناحية ينفرد عليه فيها.

يثوبون: أي: يرجعون إليه، ويجتمعون عنده.

لا يملّ حتى تملّوا: المراد بهذا الحديث، أن الله لا يملُّ أبدًا، ملَلْتُم أو لم تَملُّوا، فجرى مجرى قولهم: لا أفعله حتى يشيب الغراب، ويَبْيَضَّ القَار. وقيل معناه: إن الله لا يطرحكم حتى تتركوا العمل له، وتزهدوا في الرغبة إليه، فسمَّى الفعلين مَللاً، وكلاهما ليس بملل، كعادة العرب في وضع الفعل إذا وافق معناه، نحو قوله:

ثم أضحَوا لعب الدهر بهم ... وكذاك الدَّهْرُ يُودِي بالرجال

فجعل إهلاكه إياهم لَعِبًا.

وقيل معناه: إن الله لا يقطع عنكم فضله، حتَّى تملوا سؤاله، فسمَّى فعلَ الله مللاً، وليس بملل، على جهة الازدواج، كقوله تعالى: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} وكقوله تعالى: {وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلُها} وهذا شائع في ⦗٣٠٧⦘ العربية، وكثيرٌ في القرآن.

سَدِّدُوا: اقصدوا السَّداد من الأمر، وهو الصواب.

وقاربوا: اطلبوا المقاربة، وهي القصد في الأمر الذي لا غُلو فيه ولا تقصير.

يتغمدني: تغمده الله برحمته: إذا غفر له ورحمه، وأصله: كأنه جعل رحمته له غمدًا سَتَرَه بها وغشَّاه.

اكلفوا: كَلِفْتُ بهذا الأمر، أكْلَف به: إذا أُولعت به، وكَلَّفَه تكليفًا: إذا أمره بما شق عليه، والمُتَكلِّفُ: المُتَعَرِّضُ لما لا يعنيه، وتكلفت الشيء: تجشمته.

ديمة: الديمةُ: المطر الدائم في سكون، شَبَّهَتْ عمله في دوامه مع الاقتصاد بديمة المطر.


(١) قال الحافظ في " فتح الباري " ١/٩٤، هو بفتح الميم في الموضعين، والملال: استثقال الشيء، ونفور النفس عنه بعد محبته، وهو محال على الله تعالى باتفاق وقال الإسماعيلي، وجماعة من المحققين: إنما أطلق هذا على جهة المقابلة اللفظية مجازاً، كما قال تعالى: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [سورة الشورى: ٤٠] ونظائرها، قال القرطبي: وجه مجازه: أنه تعالى لما كان يقطع ثوابه عمن قطع العمل مللاً، عبر عن ذلك بالملال، من باب تسمية الشيء باسم سببه.
وقال الهروي؛ معناه: لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا سؤاله، فتزهدوا في الرغبة إليه. وقال غيره معناه: لا يتناهى حقه عليكم في الطاعة حتى يتناهى جهدكم. ⦗٣٠٤⦘
وهذا كله بناء على أن " حتى " على بابها في انتهاء الغاية وما يترتب عليها من المفهوم.
وجنح بعضهم إلى تأويلها، فقيل: معناه: لا يمل الله إذا مللتم، وهو مستعمل في كلام العرب، يقولون: لا أفعل كذا حتى يبيض الفأر، وحتى يشيب الغراب، ومنه قولهم في البليغ: لا ينقطع حتى ينقطع خصومه، لأنه لو انقطع حين ينقطعون لم يكن له عليهم مزية، وهذا المثال أشبه من الذي قبله، لأن شيب الغراب ليس ممكناً عادة، بخلاف الملل من العابد.
وقال المازري: قيل: إن " حتى " هنا بمعنى الواو، فيكون التقدير، لا يمل وتملون، فنفى عنه الملل، وأثبته لهم.
قال: وقيل: " حتى " بمعنى " حين "، والأول أليق، وأجري على القواعد، وأنه من باب المقابلة اللفظية.
ويؤيده: ما وقع في بعض طرق حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ " اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل من الثواب حتى تملوا من العمل " لكن في إسناده موسى بن عبيدة، وهو ضعيف.
وقال ابن حبان في " صحيحه ": هذا من ألفاظ التعارف، التي لا يتهيأ للمخاطب أن يعرف القصد مما يخاطب به إلا بها، وهذا رأيه في جميع المتشابه (*) .
(٢) البخاري ١/١٠٩، ١١٠ في الإيمان، باب أحب الدين إلى الله أدومه و ١٤/٧٨ و٧٩ في الرقاق، باب القصد والمداومة على العمل، ومسلم رقم (٧٨٢) في الصلاة، باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل، والموطأ ١/١١٨ بلاغاً في صلاة الليل، باب ما جاء في صلاة الليل، وأبو داود ١/٣١٥ في صلاة الليل، باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة، والنسائي ٣/٢١٨ في صلاة الليل، باب الاختلاف على عائشة في إحياء الليل.

(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة:
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: هل نثبت أن نثبت صفة الملل لله عز وجل؟ فأجاب بقوله: جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام قوله: ((فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملوا)) .
فمن العلماء من قال: إنَّ هذا دليل على إثبات الملل لله، لكن؛ ملل الله ليس كملل المخلوق؛ إذ إنَّ ملل المخلوق نقص؛ لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء، أما ملل الله؛ فهو كمال وليس فيه نقص، ويجري هذا كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالاً.
ومن العلماء من يقول: إنَّ قوله: ((لا يَمَلُّ حتى تملوا)) ؛ يراد به بيان أنه مهما عملت من عمل؛ فإنَّ الله يجازيك عليه؛ فاعمل ما بدا لك؛ فإنَّ الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل، وعلى هذا، فيكون المراد بالملل لازم الملل.
ومنهم من قال: إنَّ هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقاً؛ لأنَّ قول القائل: لا أقوم حتى تقوم؛ لا يستلزم قيام الثاني، وهذا أيضاً: ((لا يمل حتى تملوا)) ؛ لا يستلزم ثبوت الملل لله عَزَّ وجَلَّ.
وعلى كل حال يجب علينا أن نعتقد أنَّ الله تعالى مُنَزَّه عن كل صفة نقص من الملل وغيره، وإذا ثبت أنَّ هذا الحديث دليل على الملل؛ فالمراد به ملل ليس كملل المخلوق)) اهـ.
[مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - جمع وترتيب فهد السليمان: ١ ١٧٤ - ١٧٥]

وصفة (الملل) من الصفات المقيدة فيقال (الله يمل ممن يمل منه) ولا تطلق لله بدون تقييد
" الأولى أن يُلزَم ما جاء في الكتاب والسنة. مثل صفة (الملل) ، الله جل وعلا لا يقال إنه يوصف بالملل هذا باطل، لأن الملل نقص ولكن الله جل وعلا وصف نفسه بأنه يمل ممن مل منه وهذا على جهة الكمال.
فإن هذه الصفات التي تحتمل كمالاً ونقصاً فإن لله جل وعلا منها الكمال. والكمال فيها يكون على أنحاء منها أن يكون على وجه المقابلة.
قال جل وعلا {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} وقال جل وعلا {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} فهو جل وعلا يخادع من خادعه، يستهزئ بمن استهزأ به، وهذا كمال لأنه من آثار أنه جل وعلا. عزيز جبار ذو الجلال وذو الكمال وذو القدرة العظيمة فهو جل وعلا لا يعجزه شيء.
[شرح العقيدة الواسطية - الشريط الثالث - للشيخ صالح آل الشيخ]


[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح:
أخرجه الحميدي (١٨٣) قال: حدثنا سُفيان. قال: حدثنا به محمد بن عَجْلان، عن سعيد المقبري، وأحمد (٦/٤٠) قال: حدثنا سُفيان، عن ابن عجلان، عن سعيد. وفي (٦/٦١) قال: حدثنا ابن نُمير. قال: حدثنا محمد.
(ح) ويزيد. قال: أخبرنا محمد. وفي (٦/٨٤) قال: حدثنا أبو المغيرة. قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير. وفي (٦/٢٤١) قال: حدثنا معاذ. قال: أخبرنا محمد بن عَمرو. وفي (٦/٢٦٧) قال: حدثنا يعقوب. قال: حدثنا أبي، عن ابن إسحاق. قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي. والبخاري (١/١٨٦) قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر. قال: حدثنا ابن أبي فُدَيك. قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن المقبري. وفي (٧/١٩٩) قال: حدثنا محمد بن أبي بكر. قال: حدثنا مُعتمر، عن عُبيدالله، عن سعيد ابن أبي سعيد. ومسلم (٢/١٨٨) قال: حدثنا محمد بن المثنى. قال: حدثنا عبد الوهاب، يعني الثقفي. قال: حدثنا عُبيدالله، عن سعيد بن أبي سعيد. وأبو داود (١٣٦٨) قال: حدثنا قُتَيبة. قال: حدثنا الليث، عن ابن عَجْلان، عن سعيد المقبري. وفي (١٣٧٤) قال: حدثنا هنَّاد. قال: حدثنا عَبْدة، عن محمد بن عَمرو، عن محمد بن إبراهيم، وابن ماجة (٩٤٢) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شَيبة. قال: حدثنا محمد بن بشر، عن عُبيدالله بن عمر. قال: حدثني سعيد بن أبي سعيد. والنسائي (٢/٦٨) ، وفي الكبرى (٧٤٩) قال: أخبرنا قُتيبة. قال: حدثنا الليث، عن ابن عَجلان، عن سعيد المقبري، وابن خزيمة (١٢٨٣) قال: حدثنا علي بن خَشْرَم، قال: أخبرنا عيسى، عن الأوزاعي، عن يحيى. وفي (١٦٢٦) قال: حدثنا عبد الجبار بن العلاء وسعيد بن عبد الرحمن. قالا: حدثنا سفيان، عن ابن عجلان، عن سعيد وهو المقبري.
أربعتهم - سعيد المقبري، ومحمد بن عمرو، ويحيى بن أبي كثير، ومحمد بن إبراهيم- عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>