وقد أخرج الشافعي في " الأم " ٢ / ٣٩ بسند صحيح عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه قال: ليس في العروض زكاة إلا أن يراد به التجارة، ورواه البيهقي في " السنن " ٤ / ١٤٧ وقال: وهذا قول عامة أهل العلم. أقول: وقد استدل بعض العلماء بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ... } الآية [البقرة: ٢٦٧] على زكاة عروض التجارة، فقال البخاري في صحيحه ٣ / ٢٤٣ في الزكاة، باب صدقة الكسب والتجارة، لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ... } الآية. وقال الحافظ ابن حجر في " الفتح ": هكذا أورد هذه الترجمة مقتصراً على الآية بغير حديث، وكأنه أشار إلى ما رواه شعبة عن الحكم عن مجاهد في هذه الآية {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ... } قال: من التجارة الحلال، أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق آدم عنه، وأخرجه الطبري من طريق هشيم عن شعبة، ولفظه {من طيبات ما كسبتم} قال: من التجارة {ومما أخرجنا لكم من الأرض} قال: من الثمار. وقال الصنعاني في " سبل السلام " واستدل لوجوب الزكاة في مال التجارة بقوله تعالى: {أنفقوا من طيبات ما كسبتم} قال التجارة، وقال الطبري في تفسير الآية: يعني جل ثناؤه: زكوا من طيب ما كسبتم بتصرفكم، إما بتجارة، وإما بصناعته من الذهب والفضة. وقال النووي في " المجموع " ٦ / ٤٧، باب زكاة التجارة: والصواب الجزم بالوجوب به، قال جماهير ⦗٦٣٣⦘ العلماء من الصحابة والتابعين والفقهاء بعدهم أجمعين، وذكر عن ابن المنذر أنه قال: رويناه عن عمر بن الخطاب، وابن عباس، والفقهاء السبعة، والحسن البصري، وطاوس، وجابر بن زيد، وميمون بن مهران، والنخعي، ومالك، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، والنعمان وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وأبي عبيد. وقال السيوطي الرحيباني في " مطالب أولي النهى " ٢ / ٩٦، ٩٧ طبع المكتب الإسلامي بدمشق: ووجوب الزكاة في عروض التجارة قول عامة أهل العلم، روي عن عمر، وابنه، وابن عباس، ودليله قوله تعالى: {وفي أموالهم حق معلوم} وقوله: {خذ من أموالهم صدقة ... } ومال التجارة أعظم الأموال، فكان أولى بالدخول، ولحديث أبي ذر مرفوعاً " وفي البز صدقته " ... قال: واحتج أحمد بقول عمر لحماس: أد زكاة مالك، فقال: مالي إلا جعاب وأدم، فقال: قومها وأد زكاتها، قال: ولأنه مال نام، فوجبت فيه الزكاة كالسائمة. وقال صاحب المنار العلامة الشيخ محمد رشيد رضا: جمهور علماء الملة يقولون بوجوب زكاة عروض التجارة وليس فيها نص قطعي من الكتاب والسنة، وإنما ورد فيها روايات يقوي بعضها بعضاً، مع الاعتبار المستند إلى النصوص، وهو أن عروض التجارة المتداولة للاستغلال نقود لا فرق بينها وبين الدراهم والدنانير التي هي أثمانها، إلا في كون النصاب يتقلب ويتردد بين الثمن وهو النقد، والمثمن وهو العروض، فلو لم تجب الزكاة في التجارة، لأمكن لجميع الأغنياء أو أكثرهم أن يتجروا بنقودهم ويتحروا أن لا يحول الحول على نصاب من النقدين أبداً، وبذلك تبطل الزكاة فيهما عندهم، ورأس الاعتبار في المسألة أن الله تعالى فرض في أموال الأغنياء صدقة لمواساة الفقراء ومن في معناهم، وإقامة المصالح العامة، وأن الفائدة في ذلك للأغنياء تطهير أنفسهم من رذيلة البخل، وتزكيتها بفضائل الرحمة بالفقراء وسائر أصناف المستحقين، ومساعدة الدولة والأمة في إقامة المصالح العامة، والفائدة للفقراء وغيرهم إعانتهم على نوائب الدهر، مع ما في ذلك من سد ذريعة المفاسد في تضخم الأموال، وحصرها في أناس معدودين، وهو المشار إليه بقوله تعالى في حكمة قسمة الفيء {كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} فهل يعقل أن يخرج من هذه المقاصد الشرعية كلها التجار الذين ربما تكون معظم ثروة الأمة في أيديهم؟! . وقال الشيخ محمود شلتوت في كتابه " الفتاوى " صفحة ١٢١: وأما عروض التجارة، فالرأي الذي يجب التعويل عليه - وهو رأي جماهير العلماء من سلف الأمة وخلفها - أنه تجب فيها الزكاة متى بلغت قيمتها في آخر الحول نصاباً نقدياً، ومعنى هذا أن التاجر المؤمن يجب عليه في آخر كل عام أن يجرد بضائعه جميعاً، ويقدر قيمتها، ويخرج زكاتها متى بلغت نصاباً، مع ملاحظة أن لا يدخل في التقدير المحل الذي تدار فيه التجارة، ولا أثاثه الثابت، قال: وعروض التجارة في واقعها أموال متداولة بقصد الاستغلال، فلو لم تجب الزكاة في الأعيان التجارية - والأموال عند كثير من الأمم الإسلامية مصدرها الزراعة والتجارة - لترك نصف مال الأغنياء دون زكاة، ولاحتال أرباب النصف الآخر أن يتجروا بأموالهم، وبذلك تضيع الزكاة جملة، وتفوت حكمة الشارع الحكيم من تشريعها وجعلها ركناً من أركان الدين.
[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية] أخرجه أبو داود (١٥٦٢) قال: حدثنا محمد بن داود بن سفيان، قال: حدثنا يحيى بن حسان، قال: حدثناسليمان بن موسى، أبو داود، قال: حدثنا جعفر بن سعد بن سمرة بن جندب، قال: حدثني خبيب بن سليمان، عن أبيه سليمان، فذكره.