للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٥٧ - (خ م د) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: قال: كان ابنٌ لأبي طلحة يَشْتَكِي، فخرجَ أبو طلحةَ فَقُبِضَ الصبيُّ، فلمَّا رَجَعَ أَبو طلحةَ، قال: ما فعل ابني؟ قالت أُمُّ سُلَيْمٍ: هو أَسكَنُ ما كان عليه (١) ، فَقَرَّبت له العشاء فَتَعَشَّى، ثم أَصابَ مِنْها، فلمَّا فرغَ، قالت: وَارُوا الصبيّ، فلمَّا أَصبَحَ أبو طلحةَ أتَى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأَخبَرَهُ، فقال: «أَعْرَسْتُم اللَّيلَةَ (٢) ؟» قال: نعم، ⦗٣٦٧⦘ قال: «اللهم بارك لهما» ، فَوَلَدتْ غُلامًا، فقال لي أَبو طلْحَة: احمله حتَّى تَأْتِيَ به النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، وبَعَثتْ مَعَهُ بِتَمْراتٍ، فأخذه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أَمَعهُ شيء؟» ، قال: نعم، تَمراتٌ، فأخذها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فمضَغها، ثم أخذها من فيه: فجعلها في في الصبيّ، ثم حنَّكهُ، وسماه عبد الله.

وفي رواية مختصرًا قال: غدوتُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعبد الله بن أبي طلحة ليحَنِّكَهُ، فَوافَيْتُهُ، في يدهِ المِيسَمُ يَسِمُ به إِبلَ الصَّدقة.

وفي أخرى مختصرًا قال: لما ولدَت أُمُّ سُليم، قالت: يا أَنس، انظر هذا الغُلامَ، فلا يُصيبنَّ شَيئًا، حتى تَغْدُوَ به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يُحَنِّكُهُ، فَغَدوتُ، فإذا هو في الحائط، وعليه خميصةٌ جَوْنِيَّةٌ، وهو يَسِمُ الظهرَ الذي قَدِمَ في الفتح. هذه رواية البخاري، ومسلم.

ولمسلم وحدَه قال: ماتَ ابنٌ لأبي طلحة من أمِّ سُلَيْمٍ، فقالت لأهلها: لا تُحَدِّثُوا أبا طلْحَةَ بابنه، حتى أكونَ أنا أحَدِّثُهُ، قال: فجاء، فقَرَّبَتْ إليه عَشاءً، فأكَلَ وشَرِبَ، قال: ثُمَّ تَصَنَّعَتْ له أحْسَن ما كانَتْ تَصَنَّعُ قَبْلَ ذلك، فوقَع بِها، فلمَّا رأتْ أنُّه قدْ شَبِعَ وأصابَ منها، قالت: يا أبا طلحةَ، أرأيتَ لو أنَّ قومًا أعَاروا عاريتَهُم أهلَ بيتٍ، فطلبوا عاريتَهم، ألَهُم أن يمنعوهم؟ ⦗٣٦٨⦘ قال: لا، قالت: فاحْتَسِبْ ابنَك، قال: فغضب، وقال: تركتيني حتى تَلطَّختُ، ثم أخبرتيني بابني، فانطلق حتى أتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما كان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «باركَ اللهُ لكما في لَيْلَتِكُما» ، قال: فحملت، فكان رسولُ الله في سفرٍ، وهي معه، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أتى المدينة من سفرٍ لا يَطْرُقُها طُروقًا، فدنَوا من المدينة، فضربَها المخاضُ، فاحْتبسَ عليها أبو طلحة، فانطلق رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: يقول أبُو طلحة: إنَّك لتَعْلَمُ يا رَبِّ أنَّه يُعْجِبُني أنْ أخْرُجَ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خَرَجَ، وأدخُلَ مَعَهُ إذا دَخَلُ، وقد احْتَبَسْتُ بما ترى، قال: تقول أمُّ سُلَيْمٍ: يا أبا طلحةَ، ما أجِدُ الذي كُنتُ أجدُ، فانْطَلِقْ، فانطَلَقْنا، وضَرَبَهَا المخاضُ حين قدِما، فولدتْ غُلامًا، فقالت لي أمِّي: يا أنَسُ لا يرضِعْهُ أحدٌ حتى تغدوَ به على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلمَّا أصبح، احتَملَْتُهُ، فانطَلَقْتُ به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فصادفتُهُ ومعه مِيسَمٌ، فلمَّا رآني قال: لعلَّ أمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ؟ قلتُ: نعم، فوضَع المِيسَمَ، قال: وجئتْ به، فوضعته في حِجْرِهِ، ودعا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بعَجْوَةٍ من عجوةِ المدينةِ، فَلَاكَهَا في فيه حتى ذَابَتْ، ثم قذفها في فيّ الصبيِّ، فجعل الصبيُّ يَتَلَمَّظُها، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «انظُرُوا إلى حُبِّ الأنصار التَّمْرَ» ، قال: فَمسحَ وَجْهَهُ وسمَّاهُ عَبْدَ اللهِ.

وفي أخرى لمُسْلمٍ قال: ذهبتُ بعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينَ وُلِدَ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عَبَاءَةٍ يَهْنَأُ بعيرًا له، ⦗٣٦٩⦘ فقال: «هل معك تمرٌ؟» فقلتُ: نعم؟ فناولتُه تمراتٍ، فألقاهنِّ في فيه، فَلَاكَهُنَّ، ثم فَغَرَ فَا الصبي فمجَّه في فيه، فجعل الصبيَّ يتلمَّظُه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «حِبُّ الأنصارِ التمرَ (٣) » وسماه عبد الله.

وأخرجه أبو داود مثلَ رواية مسلم هذه الأخيرة (٤) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

أعْرَسْتُم: الإعراس هاهنا، أراد به: الجماع.

الميسم: الحديدةُ التي تَسِمُ بها الدوابَّ، تتْرُكُها في النار حتى تَحْمَى ⦗٣٧٠⦘ ثم تُسِمُها بها.

الحائط: هاهنا: البستان من نخل.

خَمِيصَة جونيَّه: الخميصة: ثوبُ خَزٍّ، أو صوفٍ مُعَلم، وهو أسود، والجَوْنُ: الأسْود، نسبها إلى السواد، هكذا جاء في كتاب الحميدي «خميصة جونية» والذي رأيته في كتاب مسلم «خميصة جُوَينية» وفي نَسخة «جَوْتَكِيَّة» وما أعرف له معنى، إلا أن يكون قد نسبها إلى القِصَرِ، فإن الجوتَكِيّ: الرجلُ القصير الخَطْوِ، المتقارب في المشي، أراد: أنها خميصةٌ قصيرةٌ، كأنها لرجل جَوْتَكِيٍّ، والله أعلم.

فاحْتَسِبْ ابنك: إذا مات للإنسان ولد، قيل له: احْتَسِبْهُ عند الله، أي: اجعله لك عنده ذخرًا.

لا يَطْرقها: الطُّرُوق: إتيان المنزل ليلاً.

المخاض: الطَّلْقُ عند الإحساس بالولادة.

بِعَجْوَةٍ: العجوة: نوع من جيِّد التمر، من تمر المدينة.

يتلمَّظُها: التلمظ: تطعم ما يبقى في الفم من آثار الطعام.

يَهْنَأُ: هنأتُ البعير: لطخته بالهناء، وهو القَطِران.

بعيرًا: البعير من الإبل: الذكر والأنثى، كالإنسان من بني آدم.

فلاكها: لاك اللقمة في فيه: إذا مضغها.

فغَرَ: فاهُ: إذا فتحه. ⦗٣٧١⦘

فَمَجَّهُ: مَج ريقَهُ من فمه: إذا رماهُ.


(١) " هو أسكن ما كان عليه " قال الزركشي: الألف فيه للتفضيل، وأرادت به سكون الموت وظن أبو طلحة أنه تريد سكون العافية والشفاء، والصبي المتوفى، هو أبو عمير الذي جاء ذكره في حديث النغير، وهو أخ أنس بن مالك لأمه.
(٢) قوله " أعرستم الليلة " قال الزركشي: بسكون العين وتخفيف الراء على أنه استفهام، وإن لم يدخل حرف استفهام. وهو من قولهم: أعرس الرجل: إذا دخل بامرأته عند بنائها، أراد به هاهنا: ⦗٣٦٧⦘ الوطء، فسماه إعراساً، لأنه من توابع الإعراس، وضبطه الأصيلي " أعرستم " بتشديد الراء، قال القاضي: وهو غلط، إنما ذلك من نزول المنزل بالليل، وكذا قال ابن الأثير: لا يقال فيه: عرس، لكن ذكر صاحب التحرير: أنه يروى بفتح العين، وتشديد الراء على الاستفهام، قال: وهي لغة عرس كأعرس، والأفصح: أعرس.
(٣) قال النووي في شرح مسلم ١٤/١٢٣: روي بضم الحاء وكسرها، فالكسر بمعنى المحبوب، كالذبح بمعنى المذبوح، وعلى هذا فالباء مرفوعة، أي: محبوب الأنصار التمر، وأما من ضم الحاء، فهو مصدر وفي الباء على هذا وجهان: النصب وهو الأشهر، والرفع، فمن نصب فتقديره: انظروا حب الأنصار التمر، فينصب التمر أيضاً، ومن رفع قال: هو مبتدأ حذف خبره، أي: حب الأنصار التمر لازم، أو هكذا، أو عادتهم من صغرهم.
(٤) البخاري ٣/١٣٥، ١٣٧ في الجنائز، باب من لم يظهر حزنه عند المصيبة، وفي العقيقة، باب تسمية المولود، ومسلم رقم (٢١٤٤) في الآداب، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته ورقم (٢١٤٤) في فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه، ورواه أبو داود، وفي الحديث من الفوائد جواز الأخذ بالشدة وترك الرخصة مع القدرة عليها، والتسلية عن المصائب، وتزين المرأة لزوجها، وتعرضها لطلب الجماع منه، واجتهادها في عمل مصالحه ومشروعية المعاريض الموهمة إذا دعت الضرورة إليها وشرط جوازها أن لا تبطل حقاً لمسلم، وكان الحامل لأم سليم على ذلك المبالغة في الصبر والتسليم لأمر الله، ورجاء إخلافه عليها ما فات منها، إذ لو أعلمت أبا طلحة بالأمر في أول الحال تنكد عليه وقته، ولم تبلغ الغرض الذي أرادته، فلما علم الله صدق نيتها، بلغها مناها وأصلح لها ذريتها، وفيه إجابة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وبيان حال أم سليم من التجلد وجودة الرأي، وقوة العزم، وقد ثبت أنها كانت تشهد القتال، وتقوم بخدمة المجاهدين، وغير ذلك من الأعمال الجليلة التي انفردت بها عن معظم النسوة.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: أخرجه البخاري في العقيقة عن مطر بن الفضل، ومسلم في الاستئذان عن أبي بكر بن أبي شيبة.
كلاهما عن يزيد بن هارون عن ابن عون عن أنس بن سيرين عن أنس فذكره. التحفة [٢٣٣] (١/٩٥، ٩٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>