للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٣٤٠ - (خ م ت د س) جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -: قال: كنتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سَفرٍ، وكنتُ على جَمَلٍ ثَفالٍ، إنما هو في آخر القوم، فمرَّ بيَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «مَن هذا؟» . قُلتُ: جابرُ بن عبد الله، قال: «مالَكَ؟» قلت: إِن على جمل ثَفَالٍ (١) ، قال: أَمَعَكَ قَضيبٌ؟ قلتُ: نعم. قال: «أَعْطِنِيهِ» ، فأعْطَيْتُهُ، فَضَرَبه وزجره، فكان من ذلك المكان في أول القوم، قال: «بِعنِيهِ» ، فقلتُ: بَل هو لك يا رسول الله، قال: «بل بِعنِيهِ، قد أَخذتُهُ بأربعة دنانير، وَلَكَ ظَهْرُهُ (٢) إِلى المدينة» ، فلما دنونا من المدينة ⦗٥١٠⦘ أَخذتُ أَرتَحِلُ، قال: أَيْنَ تُريدُ؟ قُلتُ: تزوجتُ امرأةً قد خَلا مِنْها، قال: «فهلا جاريةً تُلاعِبُها وتُلاعِبُكَ؟» قُلتُ: إِنَّ أَبي تُوفِّيَ وتَرَكَ بناتٍ، فَأَرَدتُ أَنْ أَتَزَوَّج امرأةً قد جَرّبتْ، وخلا منها، قال: «فذلك» ، قال: فلما قدمنا المدينة، قال: «يا بلالُ، اقْضِهِ، وزِدْهُ» ، فأعطاهُ أَربعةَ دنانير، وزاده قِيراطًا (٣) ، قال جابر: لا تفارقُني زِيادَةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلم يكن القيراطُ (٤) يُفَارِقُ قِرَابَ جابر بن عبد الله. هذا لفظ البخاري.

وفي رواية له، ولمسلم قال: غزوتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَتَلاحَقَ بي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأَنا على ناضِحٍ لنا قد أَعْيَى، قال: فتَخَلَّفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فزجره ودعا له، فما زال بَين يَديَ الإِبل، قُدَّامَها يسير، فقال لي: «كيف ترى بعيرك؟» فقلتُ: بخير، قد أصابته بركَتُكَ، قال: «أَفَتَبِيعُنيهِ؟» ، قال: فاستحييت، ولم يَكُنْ لنا ناضِحٌ غيرَه، قال: فقلت: نعم! فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ، عَلى أنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ، حتى أَبلغَ المدينة. قال: فقلت: يا رسول الله، إِنِّي عروسٌ، ⦗٥١١⦘ فاستأذنتُه، فأذن لي، فتقدمتُ الناسَ إلى المدينة، حتى أتيتُ المدينة، فلقيَني خالي، فسألني عن البعير، فأخبرتُه بما صنعتُ فيه فَلامَني، قال: وقد كانَ قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استأذنتُه -: هل تزوجتَ بكرًا أم ثيبًا؟ قلت: تزوجتُ ثيبًا، فقال: «هلا تزوجتَ بكرًا تُلاعِبُها وتُلاعِبُكَ؟» قلتُ: يا رسول الله: تُوُفِّيَ والدي، أَو استُشهِدَ، ولي أَخواتٌ صِغَارٌ، فكرهتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ، فلا تُؤدِّبُهُنَّ، ولا تقومُ عليهنَّ، فتزوجتُ ثَيِّبًا لتقومَ عليهنَّ، وتؤدِّبَهُنَّ، قال: فلما قَدِمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غَدَوتُ عليه بالبعير، فأعطاني ثمنه، ورَدَّهُ عَلَيَّ.

وفي أخرى: أنه كان يسير على جمل له قد أعيَى، فَمَرَّ به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَضَرَبَهُ، ودَعَا له، فَسارَ بِسيْرٍ ليس يَسيرُ مثلَهُ، ثم قال: «بِعْنِيهِ بِأُوقيَّةٍ» ، قلت: لا، ثم قال: «بعنيه بأُوقية» ، فبعتُهُ، واستثنيتُ حُمْلانَهُ إِلى أهلي، فلما قدمنا أَتيتُه بالجمل، وَنَقَدَني ثَمنَهُ، ثم انصرفتُ، فأرسلَ على أثري، فقال: «ما كنتُ لآخُذَ جملكَ، فخذ جَمَلكَ، فهو مَالُكَ» .

قال البخاري: قال جابر: أَفْقَرَنِي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظَهْرَهُ إِلى المدينةَ (٥) .

وقال في أخرى: فبعتُه على أَنَّ لي فَقَارَ ظَهْرِهِ حتى أَبْلُغَ المدينَةَ (٦) . ⦗٥١٢⦘

وقال في أُخرى: لَك ظَهْرُه إِلى المدينة (٧) . وفي أُخرى: وَشَرَطَ ظَهْرَهُ إِلى المدينة (٨) .

قال البخاري: الاشتراط أكثر وأَصَحُّ عندي (٩) .

قال: وفي رواية: أنه اشتراه بأوقية.

وفي أخرى: «بأربعة دنانير» .

قال البخاري: وهذا يكون أوقية، على حساب الدنانير بعشرة.

وقال في رواية: أوقية ذهبٍ، وفي أخرى: مائتي درهم.

وفي أخرى قال: اشتراه بطريق تبوك، أحْسبُهُ قال: بأربع أواقيّ. ⦗٥١٣⦘ وفي أخرى: بعشرين دينارًا. قال البخاري: وقولُ الشَّعْبِيِّ: بأوقيةٍ، أكثر (١٠) .

وفي رواية للبخاري ومسلم نحو الرواية الأولى، وفيه: فنزل فَحَجَنَهُ بِمحْجَنِهِ، ثم قال: اركَبْ - وذكر نحوه - وقال فيه: أمَا إنَّكَ قَادِمٌ، فإذا قَدِمْتَ فالْكَيْسَ الْكَيْسَ. وفيه: فاشتراه مني بأوقية، وفيه: فقدِمتُ بالغداة فجئتُ المسجدَ فوجدتُه على باب المسجد، فقال: الآن قَدِمَّتَ؟ قلتُ: نعم. قال: فَدَعْ جَمَلَكَ وادْخُل فصَلِّ ركعتين، فدخلتُ فَصَلَّيْتُ، ثم رجعتُ، فأمر بلالاً أنْ يَزِن لي أوقيةً، فَوَزَنَ لي بلال، فَرَجَحَ الميزان، فَانْطَلَقْتُ، فلَمَّا وَلَّيْتُ قال: ادْعُ لي جابِرًا، فَدُعِيتُ، فقلتُ: الآن يَرُدُّ عليَّ الْجَمَلَ، ولم يكن شيء أبغضَ إليهَ منه، فقال: خُذْ جَمَلَكَ، ولك ثَمنُه.

وفي رواية لهما أيضًا، قال: كُنَّا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزاةٍ، فلما أقبلنا تَعَجَّلْتُ على بَعِيرٍ لي قَطُوفٍ، فلحقني راكبٌ من خلفي، فَنَخَس بَعِيري بِعَنزَةٍ كانت معه، فانطلق بعيري كأجودَ ما أنتَ راءٍ من الإبلِ، فَالتفتُّ، فإذا أنا برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «ما يُعْجِلُكَ يا جابرُ؟» قلتُ: يا رسول الله، إني حديثُ ⦗٥١٤⦘ عهد بعُرسٍ، قال: «أبِكْرًا تزوجتَها، أم ثيبًا؟» - فذكره - قال: فلما ذهبنا لِندخلَ قال: «أمْهِلوا، حتَّى نَدخُلَ ليلاً، أي: عِشاءً (١١) ، كَيْ تَمتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وتَستَحِدَّ المُغِيبَةُ» زاد مسلم: فإذا قدمتَ فالكَيْسَ الْكَيْسَ.

وفي رواية لمسلم قال: أقبلنا من مكة إلى المدينة، مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأعْيَى جملي - وذكر نحو حديث قبله - وفيه: ثم قال لي: «بِعْني جملَكَ هذا» ، قلتُ: لا، بل هو لك، قال: «لا، بل بِعنِيهِ» ، فقلتُ: لا، بل هو لك يا رسول الله، قال: «لا، بل بِعْنِيهِ» ، قُلتُ: فإنَّ لرجلٍ عليَّ أوقِيَّةً من ذَهَب، فهو لك بها، قال: «قد أخذتُه، فَتَبَلَّغْ عليه إلى المدينة» ، قلما قدمتُ المدينة، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبلالٍ: «أعطِهِ أوقيةً من ذهبٍ وزِدْهُ» ، قال: فأعطاني أوقيةً من ذهبٍ، وزادني قيراطًا، قال: فقلتُ: لا تفارقُني زيادةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فكان في كِيسٍ لي، فأخذه أهل الشام يومَ الحَرَّةِ.

وفي أخرى لمسلم نحو ذلك، وفيه قال: أتَبِعْنيه بكذا وكذا والله يغفر لَكَ؟ قلتُ: هو لك يا نبي الله، قال ذلك ثلاثًا، وذكر الحديث. وفي أخرى له، قال لي: ارْكَب بِسْم الله، وفيه: فما زال يزيدُني ويقول: واللهُ يَغْفِرُ لَكَ.

وفي أخرى له قال: فَنَخَسَهُ، فَوَثَبَ، فكنْتُ بعد ذلك أحْبِسُ خُطامَهُ ⦗٥١٥⦘ لأسمعَ حديثَهُ، فما أقدِرُ عليه، فَلَحِقَني النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «بِعْنِيهِ» ، فبعتُهُ، بِخَمْسٍ أواقيَّ، قال: قلت: على أنَّ لي ظهره إلى المدينة، فلما قَدِمْتُ المدينةَ أتَيْتُهُ، فزادني أوقيَّة، ثم وَهَبَه لي.

وفي رواية لهما قال: سافرتُ معه في بعض أسفَارِهِ - قال أبو المتوكل: لا أدْري غَزْوَةً، أو عُمْرةً - فلما أن أقبلنا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ أحَبَّ أنْ يَتَعَجَّلَ إلى أهله فَلْيَتَعَجَّلُ» ، قال جابر: فأقبلنا، وأنا على جمل لي أرمل، ليس فيه شِيَةٌ، والناس خَلْفي، فبينما أنا كذلك إذ قام عليّ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يا جابر، اسْتَمْسِكْ» ، فضربه بِسوطِهِ، فوثبَ البعير مكانه، فقال: «أتبيع الجملَ؟» فقلت: نعم، فلما قَدِمنا المدينة، ودخل النبي - صلى الله عليه وسلم - المسجد في طوائفَ من أصحابه، دخلتُ إليه، وعَقَلْتُ الجمل في ناحية البَلَاطِ، فقلت له: هذا جملُك، فخرج فجعل يُطيفُ بالجمل، ويقول: الجملُ جَملُنا، فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه بأوَاقِيَّ من ذهَبٍ، فقال: «أعطوها جابرًا» ، ثم قال: «استوفَيْتَ الثَّمَنَ؟» قُلتُ: نعم؛ قال: «الثمنُ والجملُ لك» .

وفي رواية قال: اشترى منِّي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيرًا بِوُقيَّتين ودرهم أو درهمين، فلما قدمَ صِرارًا أمَرَ ببقرة فذُبِحَتْ، فأكلوا منها، فلما قدموا المدينة، أمَرَني أنْ آتيَ المسجدَ، فأصلي فيه ركعتين، وَوَزَنَ لي ثمن البعير. ومن الرواة مَنِ اقْتَصَرَ على ذِكْرِ الركعتين في المسجد. وفي رواية: أنه لما قدم المدينة نَحَرَ جَزُورًا. ⦗٥١٦⦘

هذه روايات البخاري ومسلم التي ذكرها الحُمَيْدِي في كتابه في ذكر بيع الجمل والاشتراط.

وقد أضاف إليها روايات أخرى لهما، تَتَضَمَّنُ ذِكْرَ تزويج جابر، وسؤالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إيَّاه عنه، وذكر دخول الرجل على أهله طُروقًا، ولم يذكر فيها بيع الجمل، فلهذا لم نذكرها نحن ها هنا، وأخَّرْناها لتجيء في كتاب النكاح من حرف النون، وفي كتاب الصحبة من حرف الصاد، إن شاء الله تعالى. والمراد من ذكر هذا الحديث بطوله: ذكر الاشتراط في البيع، ولأجل ذلك أخرجوه، ولهذا السبب لم يخرِّج منه الترمذي وأبو داود إلا ذكر الاشتراط. وهذا لفظ الترمذي: إنَّ جابرًا باع من النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيرًا، واشترط ظهره إلى أهله.

وهذا لفظ أبي داود، قال جابر: بِعْتُهُ - يعني بعيره - من النبي - صلى الله عليه وسلم -، واشترطتُ حُمْلانه إلى أهلي.

وقال في آخره: «تُراني إنما ما كَسْتُكَ لأذهب بجملك؟ خُذْ جملك وثمنَه، فهما لك» .

وحيث كان المقصود من الحديث ذكر الاشتراط، وهو متفق عليه بين البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود، عَلَّمنا عليه علاماتهم الأربع، وإن لم يكن جميع الحديث متفقًا عليه. ⦗٥١٧⦘ وأخرج النسائي روايات متفرقة نحو هذه الروايات المتقدمة (١٢) . ⦗٥١٨⦘

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

ثفال: جمل ثفال، أي: بطيء في سيره.

خلا منها: خلا من المرأة، أي: كبرت وخرجت من حد الشباب.

الناضح: الجمل يستقى عليه الماء ليسقي النخل والزرع وغيره.

فَقَار: الفقار: خَرَز الظهر، يقال: أفقرتك ناقتي، أي: أعرتك فقارها لتركبها.

عروس: العروس: اسم يقع على الرجل والمرأة، إذا دخل أحدهما بالآخر، يقال: رجل عروس، وامرأة عروس.

فنقدني: نقدته كذا، أي: أعطيته نقدًا، وقد ذكر مقدارها في متن الحديث، وكانت يومئذ أربعين درهمًا.

محجن: المحجن: عصًا في طرفها انعقاف كالصولجان ونحوه.

فالكَيْس: الكيس: هو الجماع والعقل، كأنه جعل طلب الولد عَقلاً.

قطوفُ: جمل قطوف: سيء المشي، ضيق الخطوة.

العنزة: شبه العكازة، يكون في طرفها الواحد شبه الحربة. ⦗٥١٩⦘

تمتشط الشعثة: الشعثة: المرأة البعيدة العهد بالغسل والتسريح، والامتشاط، تسريح الشعر: يعني: حتى تصلح من شأنها، بحيث إذا قدم عليها بعلها، وجدها متجملة، حسنة الحال.

وتستحد المغيبة: المغِيبَةُ: المرأة التي غاب عنها زوجها، والاستحداد: أخذ الشعر بالموسى وغيرها، وهذا أيضًا كالأول.

أرمل: جمع أرمل: يضرب لونه إلى الكدرة.

لاشية فيه: أي: لا لون فيه يخالف كدرته.

البلاط: ما يُفْرَشُ به الأرض من حجر أو غيره، ثم سمي المكان بلاطًا على المجاز.

صرارًا: بكسر الصاد المهملة، والراءين المهملتين: موضع قريب من المدينة.

جزورًا: الجزور من الإبل: يقع على الذكر والأنثى، والكلمة مؤنثة.

ماكستك: فاعلتك من المكس: وهو انتقاص الثمن، وذكر الزمخشري في كتابه «الفائق» هذا الحديث، وقال: قد روي: «ماكستُك» من المكاس، ومعناه ظاهر، وقال: قد روي «أتُراني أنما كسْتُك» وهو من كايسته فكِسْتُهُ، أي كنت أكيس منه.


(١) بفتح الثاء: هو البعير البطيء السير، يقال: ثفال وثفيل؛ وأما الثفال بكسر الثاء، فهو ما يوضع تحت الرحى لينزل عليه الدقيق، وفي المطبوع " الثغال " وهو تصحيف.
(٢) وقد بوب له البخاري رحمه الله في الشروط بقوله: باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز. قال الحافظ: هكذا جزم بهذا الحكم لصحة دليله عنده، وهو مما اختلف فيه وفيما يشبهه كاشتراط سكنى الدار؛ وخدمة العبد، فذهب الجمهور إلى بطلان البيع، لأن الشرط المذكور ينافي مقتضى العقد، وقال الأوزاعي وابن شبرمة وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وطائفة: يصح البيع، ويتنزل الشرط منزلة الاستثناء، لأن المشروط إذا كان قدره معلوماً، صار كما لو باعه بألف إلا خمسين درهماً مثلاً، ووافقهم مالك في الزمن اليسير دون الكثير، وقيل: حده عنده ثلاثة أيام، وحجتهم حديث الباب، وقد رجح البخاري فيه الاشتراط كما سيأتي آخر كلامه، وأجاب عنه الجمهور بأن ألفاظه اختلفت، فمنهم من ذكر فيه الشرط، ومنهم من ذكر فيه ما يدل عليه، ومنهم من ذكر ما يدل على أنه كان بطريق الهبة، وهي واقعة عين يطرقها الاحتمال، فقد عارضه حديث عائشة في قصة بريرة، ففيه بطلان الشرط المخالف لمقتضى العقد، وصح من حديث جابر أيضاً النهي عن بيع الثنيا، أخرجه أصحاب السنن، وإسناده صحيح؛ وورد النهي عن بيع وشرط. وأجيب بأن الذي ينافي مقصود البيع، ما إذا اشترط مثلاً في بيع الجارية، أن لا يطأها، وفي الدار أن لا يسكنها، وفي العبد أن لا يستخدمه، وفي الدابة أن لا يركبها، أما إذا اشترط شيئاً معلوماً لوقت ⦗٥١٠⦘ معلوم فلا بأس به. وأما حديث النهي عن الثنيا، ففي نفس الحديث " إلا أن تعلم " فعلم أن المراد أن النهي إنما وقع عما كان مجهولاً. وأما حديث النهي عن بيع وشرط، ففي إسناده مقال، وهو قابل للتأويل.
(٣) قال ابن الجوزي: هذا من أحسن التكرم، لأن من باع شيئاً، فهو في الغالب محتاج، فإذا تعوض من الثمن، بقي في قلبه من المبيع أسف على فراقه كما يقول:
وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... نفائس من رب بهن ضنين
فإذا رد عليه المبيع مع ثمنه ذهب الهم عنه، وثبت فرحه، وقضيت حاجته، فكيف مع ما انضم إلى ذلك مع الزيادة في الثمن.
(٤) هو من قول عطاء، والقراب بكسر القاف: هو وعاء شبه الجراب، يطرح فيه الراكب سيفه بغمده وسوطه، وقد يطرح فيه زاده من تمر ونحوه.
(٥) هذه الرواية وصلها البيهقي من طريق يحيى بن أبي كثير عن شعبة عن مغيرة عن عامر عن جابر.
(٦) وصلها البخاري في كتاب " الجهاد " من صحيحه.
(٧) وصلها أيضاً في الوكالة.
(٨) وصلها البيهقي من طريق المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه به، ووصلها الطبراني من طريق عثمان بن محمد الأخنسي عن محمد بن المنكدر بلفظ: فبعته إياه وشرطته، أي: ركوبه إلى المدينة.
(٩) أي: أكثر طرقاً وأصح مخرجاً، قال الحافظ رحمه الله: وأشار بذلك إلى أن الرواة اختلفوا عن جابر في هذه الواقعة، هل وقع الشرط في العقد عند البيع، أو كان ركوبه للجمل بعد بيعه إباحة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد شرائه على طريق العارية؟ والحاصل أن الذين ذكروه بصيغة الاشتراط أكثر عدداً من الذين خالفوه، وهذا وجه من وجوه الترجيح فيكون أصح، ويترجح أيضاً بأن الذين رووه بصيغة الاشتراط معهم زيادة وهم حفاظ، فتكون حجة، وليست رواية من لم يذكر الاشتراط منافية لرواية من ذكره، لأن قوله: لك ظهره، وأفقرناك ظهره، وتبلغ عليه، لا يمنع وقوع الاشتراط قبل ذلك. وقال ابن دقيق العيد: إذا اختلفت الروايات وكانت الحجة ببعضها دون بعض، توقف الاحتجاج بشرط تعادل الروايات، أما إذا وقع الترجيح لبعضها، بأن يكون رواتها أكثر عدداً أو أتقن حفظاً، فيتعين العمل بالراجح، إذ الأضعف لا يكون مانعاً من العمل بالأقوى، والمرجوح لا يمنع التمسك بالراجح.
(١٠) أي: موفقه لغيره من الأقوال، والحاصل من الروايات أوقية، وهي رواية الأكثر، وأربعة دنانير وهي لا تخالفها، وأوقية ذهب وأربع أواق وخمس أواق ومائتا درهم وعشرون ديناراً، هذا ما ذكره البخاري، قال الحافظ: ووقع عند أحمد والبزار من رواية علي بن زيد عن أبي المتوكل ثلاثة عشر ديناراً وقد جمع عياض وغيره بين هذه الروايات، فقال: سبب الاختلاف أنهم رووا بالمعنى، والمراد: أوقية ذهب، والأربع أواق والخمس بقدر ثمن أوقية الذهب، والأربعة دنانير مع العشرين ديناراً محمولة على اختلاف الوزن والعدد، وكذلك رواية الأربعين درهماً مع المائتي درهم، قال: وكأن الإخبار بالفضة عما وقع عليه العقد وبالذهب عما حصل به الوفاء، أو بالعكس.
(١١) قال الحافظ: هذا التفسير في نفس الخبر، وفيه إشارة إلى الجمع بين هذا الأمر بالدخول ليلاً والنهي عن الطروق ليلاً، بأن المراد بالأمر الدخول في أول الليل، وبالنهي الدخول في أثنائه، أو أن الأمر بالدخول ليلاً لمن أعلم أهله بقدومه، فاستعدوا له، والنهي عمن لم يفعل ذلك.
(١٢) البخاري في الوكالة ٤/٣٩٥، باب إذا وكل رجل رجلاً أن يعطي شيئاً ولم يبين كم يعطي، وفي المساجد ١/٤٤٧، باب الصلاة إذا قدم من سفر، وفي البيوع ٤/٢٦٩، باب شراء الدواب والحمير، وفي الاستقراض ٥/٤٠، باب من اشترى بالدين وليس عنده ثمنه، و ٤٤، باب حسن القضاء، وفي المظالم ٥/٨٤، باب من عقل بعيره على البلاط أوباب المسجد، و (١٦٦) في الهبة، باب الهبة المقبوضة وغير المقبوضة، و (٢٢٩، ٢٣٦) في الشروط، باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز، وفي الجهاد ٦/٤٩، ٥٠، باب من ضرب دابة غيره في الغزو، و ٨٦، باب استئذان الرجل الإمام، و ١٣٤، باب الصلاة إذا قدم من سفر، وفي النكاح ٩/١٠٤، ١٠٦، باب تزويج الثيبات، و ٢٩٧، ٢٩٨ باب طلب الولد، و ٢٩٨، باب تستحد المغيبة وتمتشط، و ٤٤٩ في النفقات، باب عون المرأة زوجها في ولده، وفي الدعوات ١١/١٦١، باب الدعاء للزوج، وأخرجه مسلم رقم (٧١٥) في المساقاة، باب بيع البعير واستثناء ركوبه، وفي صلاة المسافرين، باب استحباب تحية المسجد بركعتين، وفي الرضاع، باب استحباب نكاح ذات الدين، وباب استحباب نكاح البكر، وفي الإمارة، باب كراهة الطروق لمن ورد من سفر، والترمذي رقم (١٢٥٣) في البيوع، باب ما جاء في اشتراط ظهر الدابة عند البيع، وأبو داود رقم (٣٥٠٥) في الإجارة، باب شرط في بيع، والنسائي ٧/٢٩٧، ٣٠٠، باب البيع يكون فيه الشرط فيصح البيع والشرط، وأخرجه ابن ماجة في التجارات، باب السوم رقم (٢٢٠٥) .
وقال الحافظ في الفتح ٥/٢٣٦: وفي الحديث جواز المساومة لمن يعرض سلعته للبيع، والمماكسة في المبيع قبل استقرار العقد، وابتداء المشتري بذكر الثمن، وأن القبض ليس شرطاً في صحة البيع، وأن إجابة الكبير بقول: " لا " جائز في الأمر الجائز، والتحدث بالعمل الصالح للاتيان بالقصة على وجهها لا على وجه تزكية النفس وإرادة الفخر، وفيه تفقد الإمام والكبير لأصحابه وسؤاله عما ينزل بهم، وإعانتهم بما تيسر من حال أو مال أو دعاء، وتواضعه صلى الله عليه وسلم، وفيه جواز ضرب الدابة للسير وأن كانت غير مكلفة، ومحله إذا لم يتحقق أن ذلك منها من فرط تعب وإعياء، وفيه توقير التابع لرئيسه، وفيه الوكالة في وفاء الديون، والوزن على المشتري، والشراء بالنسيئة، وفيه رد العطية قبل القبض لقول جابر: هو لك، قال: لا بل بعنيه، وفيه جواز إدخال الدواب والأمتعة إلى رحاب المسجد، وحواليه، وفيه المحافظة على ما يتبرك به، لقول جابر: لا تفارقني الزيادة، وفيه جواز الزيادة في الثمن عند الأداء والرجحان في الوزن لكن برضا المالك ⦗٥١٨⦘ وهي هبة مستأنفة حتى لو ردت السلعة بعيب مثلاً لم يجب ردها، أو هي تابعة للثمن حتى ترد، فيه احتمال، وفيه فضيلة لجابر حيث ترك حظ نفسه وامتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم له ببيع جمله مع احتياجه إليه، وفيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وجواز إضافة الشيء إلى من كان مالكه قبل ذلك باعتبار ما كان، واستدل به على صحة البيع بغير تصريح إيجاب ولا قبول، لقوله فيه قال: بعنيه بأوقية فبعته، ولم يذكر صيغة.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
صحيح: - رواه عن جابر أبو هبيرة:
أخرجه أحمد (٣/٣٠٣) قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا سيَّار، عن أبي هبيرة «فذكره» .
وتقدم تخريجه من رواية محارب بن دثار، ونبيح وأبي النضر وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>