(٢) وقد بوب له البخاري رحمه الله في الشروط بقوله: باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز. قال الحافظ: هكذا جزم بهذا الحكم لصحة دليله عنده، وهو مما اختلف فيه وفيما يشبهه كاشتراط سكنى الدار؛ وخدمة العبد، فذهب الجمهور إلى بطلان البيع، لأن الشرط المذكور ينافي مقتضى العقد، وقال الأوزاعي وابن شبرمة وأحمد وإسحاق وأبو ثور، وطائفة: يصح البيع، ويتنزل الشرط منزلة الاستثناء، لأن المشروط إذا كان قدره معلوماً، صار كما لو باعه بألف إلا خمسين درهماً مثلاً، ووافقهم مالك في الزمن اليسير دون الكثير، وقيل: حده عنده ثلاثة أيام، وحجتهم حديث الباب، وقد رجح البخاري فيه الاشتراط كما سيأتي آخر كلامه، وأجاب عنه الجمهور بأن ألفاظه اختلفت، فمنهم من ذكر فيه الشرط، ومنهم من ذكر فيه ما يدل عليه، ومنهم من ذكر ما يدل على أنه كان بطريق الهبة، وهي واقعة عين يطرقها الاحتمال، فقد عارضه حديث عائشة في قصة بريرة، ففيه بطلان الشرط المخالف لمقتضى العقد، وصح من حديث جابر أيضاً النهي عن بيع الثنيا، أخرجه أصحاب السنن، وإسناده صحيح؛ وورد النهي عن بيع وشرط. وأجيب بأن الذي ينافي مقصود البيع، ما إذا اشترط مثلاً في بيع الجارية، أن لا يطأها، وفي الدار أن لا يسكنها، وفي العبد أن لا يستخدمه، وفي الدابة أن لا يركبها، أما إذا اشترط شيئاً معلوماً لوقت ⦗٥١٠⦘ معلوم فلا بأس به. وأما حديث النهي عن الثنيا، ففي نفس الحديث " إلا أن تعلم " فعلم أن المراد أن النهي إنما وقع عما كان مجهولاً. وأما حديث النهي عن بيع وشرط، ففي إسناده مقال، وهو قابل للتأويل. (٣) قال ابن الجوزي: هذا من أحسن التكرم، لأن من باع شيئاً، فهو في الغالب محتاج، فإذا تعوض من الثمن، بقي في قلبه من المبيع أسف على فراقه كما يقول: وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... نفائس من رب بهن ضنين فإذا رد عليه المبيع مع ثمنه ذهب الهم عنه، وثبت فرحه، وقضيت حاجته، فكيف مع ما انضم إلى ذلك مع الزيادة في الثمن. (٤) هو من قول عطاء، والقراب بكسر القاف: هو وعاء شبه الجراب، يطرح فيه الراكب سيفه بغمده وسوطه، وقد يطرح فيه زاده من تمر ونحوه. (٥) هذه الرواية وصلها البيهقي من طريق يحيى بن أبي كثير عن شعبة عن مغيرة عن عامر عن جابر. (٦) وصلها البخاري في كتاب " الجهاد " من صحيحه. (٧) وصلها أيضاً في الوكالة. (٨) وصلها البيهقي من طريق المنكدر بن محمد بن المنكدر عن أبيه به، ووصلها الطبراني من طريق عثمان بن محمد الأخنسي عن محمد بن المنكدر بلفظ: فبعته إياه وشرطته، أي: ركوبه إلى المدينة. (٩) أي: أكثر طرقاً وأصح مخرجاً، قال الحافظ رحمه الله: وأشار بذلك إلى أن الرواة اختلفوا عن جابر في هذه الواقعة، هل وقع الشرط في العقد عند البيع، أو كان ركوبه للجمل بعد بيعه إباحة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد شرائه على طريق العارية؟ والحاصل أن الذين ذكروه بصيغة الاشتراط أكثر عدداً من الذين خالفوه، وهذا وجه من وجوه الترجيح فيكون أصح، ويترجح أيضاً بأن الذين رووه بصيغة الاشتراط معهم زيادة وهم حفاظ، فتكون حجة، وليست رواية من لم يذكر الاشتراط منافية لرواية من ذكره، لأن قوله: لك ظهره، وأفقرناك ظهره، وتبلغ عليه، لا يمنع وقوع الاشتراط قبل ذلك. وقال ابن دقيق العيد: إذا اختلفت الروايات وكانت الحجة ببعضها دون بعض، توقف الاحتجاج بشرط تعادل الروايات، أما إذا وقع الترجيح لبعضها، بأن يكون رواتها أكثر عدداً أو أتقن حفظاً، فيتعين العمل بالراجح، إذ الأضعف لا يكون مانعاً من العمل بالأقوى، والمرجوح لا يمنع التمسك بالراجح. (١٠) أي: موفقه لغيره من الأقوال، والحاصل من الروايات أوقية، وهي رواية الأكثر، وأربعة دنانير وهي لا تخالفها، وأوقية ذهب وأربع أواق وخمس أواق ومائتا درهم وعشرون ديناراً، هذا ما ذكره البخاري، قال الحافظ: ووقع عند أحمد والبزار من رواية علي بن زيد عن أبي المتوكل ثلاثة عشر ديناراً وقد جمع عياض وغيره بين هذه الروايات، فقال: سبب الاختلاف أنهم رووا بالمعنى، والمراد: أوقية ذهب، والأربع أواق والخمس بقدر ثمن أوقية الذهب، والأربعة دنانير مع العشرين ديناراً محمولة على اختلاف الوزن والعدد، وكذلك رواية الأربعين درهماً مع المائتي درهم، قال: وكأن الإخبار بالفضة عما وقع عليه العقد وبالذهب عما حصل به الوفاء، أو بالعكس. (١١) قال الحافظ: هذا التفسير في نفس الخبر، وفيه إشارة إلى الجمع بين هذا الأمر بالدخول ليلاً والنهي عن الطروق ليلاً، بأن المراد بالأمر الدخول في أول الليل، وبالنهي الدخول في أثنائه، أو أن الأمر بالدخول ليلاً لمن أعلم أهله بقدومه، فاستعدوا له، والنهي عمن لم يفعل ذلك. (١٢) البخاري في الوكالة ٤/٣٩٥، باب إذا وكل رجل رجلاً أن يعطي شيئاً ولم يبين كم يعطي، وفي المساجد ١/٤٤٧، باب الصلاة إذا قدم من سفر، وفي البيوع ٤/٢٦٩، باب شراء الدواب والحمير، وفي الاستقراض ٥/٤٠، باب من اشترى بالدين وليس عنده ثمنه، و ٤٤، باب حسن القضاء، وفي المظالم ٥/٨٤، باب من عقل بعيره على البلاط أوباب المسجد، و (١٦٦) في الهبة، باب الهبة المقبوضة وغير المقبوضة، و (٢٢٩، ٢٣٦) في الشروط، باب إذا اشترط البائع ظهر الدابة إلى مكان مسمى جاز، وفي الجهاد ٦/٤٩، ٥٠، باب من ضرب دابة غيره في الغزو، و ٨٦، باب استئذان الرجل الإمام، و ١٣٤، باب الصلاة إذا قدم من سفر، وفي النكاح ٩/١٠٤، ١٠٦، باب تزويج الثيبات، و ٢٩٧، ٢٩٨ باب طلب الولد، و ٢٩٨، باب تستحد المغيبة وتمتشط، و ٤٤٩ في النفقات، باب عون المرأة زوجها في ولده، وفي الدعوات ١١/١٦١، باب الدعاء للزوج، وأخرجه مسلم رقم (٧١٥) في المساقاة، باب بيع البعير واستثناء ركوبه، وفي صلاة المسافرين، باب استحباب تحية المسجد بركعتين، وفي الرضاع، باب استحباب نكاح ذات الدين، وباب استحباب نكاح البكر، وفي الإمارة، باب كراهة الطروق لمن ورد من سفر، والترمذي رقم (١٢٥٣) في البيوع، باب ما جاء في اشتراط ظهر الدابة عند البيع، وأبو داود رقم (٣٥٠٥) في الإجارة، باب شرط في بيع، والنسائي ٧/٢٩٧، ٣٠٠، باب البيع يكون فيه الشرط فيصح البيع والشرط، وأخرجه ابن ماجة في التجارات، باب السوم رقم (٢٢٠٥) . وقال الحافظ في الفتح ٥/٢٣٦: وفي الحديث جواز المساومة لمن يعرض سلعته للبيع، والمماكسة في المبيع قبل استقرار العقد، وابتداء المشتري بذكر الثمن، وأن القبض ليس شرطاً في صحة البيع، وأن إجابة الكبير بقول: " لا " جائز في الأمر الجائز، والتحدث بالعمل الصالح للاتيان بالقصة على وجهها لا على وجه تزكية النفس وإرادة الفخر، وفيه تفقد الإمام والكبير لأصحابه وسؤاله عما ينزل بهم، وإعانتهم بما تيسر من حال أو مال أو دعاء، وتواضعه صلى الله عليه وسلم، وفيه جواز ضرب الدابة للسير وأن كانت غير مكلفة، ومحله إذا لم يتحقق أن ذلك منها من فرط تعب وإعياء، وفيه توقير التابع لرئيسه، وفيه الوكالة في وفاء الديون، والوزن على المشتري، والشراء بالنسيئة، وفيه رد العطية قبل القبض لقول جابر: هو لك، قال: لا بل بعنيه، وفيه جواز إدخال الدواب والأمتعة إلى رحاب المسجد، وحواليه، وفيه المحافظة على ما يتبرك به، لقول جابر: لا تفارقني الزيادة، وفيه جواز الزيادة في الثمن عند الأداء والرجحان في الوزن لكن برضا المالك ⦗٥١٨⦘ وهي هبة مستأنفة حتى لو ردت السلعة بعيب مثلاً لم يجب ردها، أو هي تابعة للثمن حتى ترد، فيه احتمال، وفيه فضيلة لجابر حيث ترك حظ نفسه وامتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم له ببيع جمله مع احتياجه إليه، وفيه معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وجواز إضافة الشيء إلى من كان مالكه قبل ذلك باعتبار ما كان، واستدل به على صحة البيع بغير تصريح إيجاب ولا قبول، لقوله فيه قال: بعنيه بأوقية فبعته، ولم يذكر صيغة.
[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية] صحيح: - رواه عن جابر أبو هبيرة: أخرجه أحمد (٣/٣٠٣) قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا سيَّار، عن أبي هبيرة «فذكره» . وتقدم تخريجه من رواية محارب بن دثار، ونبيح وأبي النضر وغيرهم.