للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٦١٤٧ - (م د) عبد الله بن رباح قال: «وَفَدَت وفود إلى معاويةَ - وذلك في رمضان - فكان يصنع بعضُنا لبعض طعاماً، فكان أبو هريرة - رضي الله عنه - مما يُكْثِر أن يَدْعُونا إلى رَحْلِه، فقلتُ: ألا أصنعُ طعاماً فأدعوهم ⦗٣٦٨⦘ إلى رَحْلي؟ فأمرتُ بالطعام يُصنَع، ثم لَقيتُ أبا هريرة من العَشِيِّ، فقلتُ: الدَّعْوَةُ عندي الليلةَ، فقال: سَبَقْتَني؟ فقلتُ: نعم، فدعوتُهم، فقال أبو هريرة: ألا أُعْلِمُكم بحديث من حديثكم يا معشر الأنصار؟ ... ثم ذَكَرَ فَتْحَ مَكةَ، فقال: أقبلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قَدِمَ مكةَ، فبعث الزبيرَ على إِحدى المُجَنِّبَتَين، وبعث خالداً على المُجَنِّبَةِ الأخرى، وبعث أبا عبيدة على الحُسَّر، فأخذ [وا] بَطْن الوادي ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في كَتِيبة، قال: فنظر فرآني، فقال: أبو هريرة؟ قلتُ: لَبَّيْكَ يا رسولَ الله، فقال: اهتف: (١) لا يأتيني إلا أنصاريّ - ومن الرواة مَن قال: اهْتِفْ لي بالأنصار، قال: فأطافوا به، ووبشّتْ قريش من أوباش لها وأتباع وفي رواية: ووبشت قريش أوْباشَها وأتْبَاعَها (٢) - فقالوا: نُقدّم هؤلاءِ، فإن كان لهم شيء كُنَّا معهم، وإن أُصِيبوا أَعْطَيْنَا الذي سَلبنا (٣) ، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: تَرَونَ إِلى أوْباشِ قريش وأتباعِهم؟ ثم قال بيديه - إحداهما على الأخرى- ثم قال: حتى تُوافُوني بالصفا، قال: فانطلقنا، فما شاءَ أحد مِنَّا أَن يَقْتُلَ أحداً إلا قتله، وما أحد منهم يُوَجِّه إلينا شيئاً، قال: فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسولَ الله، أُبِيدَتْ خضراءُ قريش، لا قُريشَ بعد اليوم، ⦗٣٦٩⦘ قال: مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقالت الأنصارُ بعضُهم لبعض: أما الرَّجُل فَأْدْرَكَتْهُ رَغْبة في قريته، ورَأْفَة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحيُ - وكان إذا جاء [الوحيُ] لا يخفى علينا، فإِذا جاء فليس أحد يرفع طَرْفه إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ينقضيَ الوحيُ - فلما قُضِيَ الوحيُ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: يا معشر الأنصار، قالوا: لَبَّيك يا رسول الله، قال: قلتم: أمَّا الرجلُ فأدركتْهُ رَغْبَة في قَريَتِه؟ قالوا: قد كان ذلك، قال: كلا إني عبد الله ورسولهُ، هاجرتُ إلى الله وإِليكم، المَحْيا مَحْياكم، والمماتُ مماتُكم، فأقْبلوا إِليه يَبْكُون، ويقولون: واللهِ ما قلنا الذي قلنا إلا الضِّنّ بالله وبرسوله، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: إِن الله ورسولَهُ يُصدِّقانكم، ويَعْذِرانكم، قال: فأقبل الناس إلى دار أبي سفيان، وأَغْلَق الناسُ أبوابَهم، قال: وأقْبل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبلَ إلى الحجَر فاستلمه، ثم طاف بالبيت، قال: فأتى على صَنَم إلى جانبِ البيتِ كانوا يعبدونه: قال: وفي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَوس، وهو آخِذ بِسِيَةِ القوسِ، فلما أتى على الصنم جعل يَطْعنُ في عيْنِهِ، ويقول: جاء الحق، وزهق الباطل، فلما فرغ من طوافه أتى الصفا، فَعلا عليه حتى نظر إلى البيت، ورفع يَدَيه، فجعل يحمَدُ الله، ويدعو ما شاءَ أن يدعوَ» .

وفي رواية بهذا الحديث، وزاد في الحديث «ثم قال بيديه، إحداهما ⦗٣٧٠⦘ على الأخرى: احْصُدُوهم حصداً» ، قال: وفي الحديث «قالوا: قلنا: ذاك يا رسول الله، قال: فما اسمْي إذاً؟ كلا، إني عبد الله ورسولُه» .

وفي أخرى قال: «وَفَدْنا إلى معاويةَ بن أبي سفيان، وفينا أبو هريرة، وكان كلُّ رجل منَّا يصنع طعاماً يوماً لأصحابه، فكانت نَوْبَتي، فقلتُ: يا أبا هريرة، اليوم يومي (٤) ، فجاؤوا إلى المنزل ولم يُدْرِكْ طعامُنا، فقلتُ: يا أبا هريرة، لو حدَّثْتَنَا عن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - حتى يُدرِكَ طعامُنا؟ فقال: كُنَّا مَعَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح، فجعل خالدَ بنَ الوليد على المجَنِّبة اليمنى، وجعل الزبيرَ على المجنبِّة اليسرى، وجعل أبا عُبيدة على البَيَاذِقَةِ وبَطْنِ الوادي، فقال: يا أبا هريرةَ، ادْعُ لي الأنصار، فدعوتُهم، فجاؤوا يُهَرْوِلُون، فقال: يا معشر الأنصار، هل تَرَوْنَ أوْباش قُريش؟ قالوا: نعم، قال: انظروا إذا لَقِيتُموهم غداً: أن تحصُدُوهم حَصداً، وأحفَى بيده، ووضع يمينَه على شِماله - وقال: موعدُكم الصّفا، قال: فما أشْرَفَ لهم يومئذ أحد إلا أناموه، قال: وصَعِدَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الصّفا، [وجاءتِ الأنصارُ، فأطافوا بالصفا] ، فجاء أبو سفيان، فقال: يا رسولَ الله، أُبِيدَتْ خضراءُ قريش، لا قريشَ بعدَ اليوم، قال أبو سفيان: مَن دخل دارَ أبي سفيان فهو آمِن، ⦗٣٧١⦘ ومَن أَلْقَى السلاحَ فهو آمِن، ومَن أغلق بابَهُ فهو آمِن؟ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومَن ألْقَى السِّلاحَ فهو آمِن، وَمَن أغلقَ بابَه فهو آمِن، فقالت الأنصارُ: أمَّا الرجلُ: فقد أخذتْهُ رأفة بعشيرته، وَرَغْبَة في قَرْيتِهِ، ونزل الوحيُ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: قلتُم: أمَّا الرجلُ: فقد أخذتهُ رأْفة بعشيرته، ورَغبة في قريته؟ أَلا فما اسْمِي إذاً؟ - ثلاثَ مرات - أنا محمَّد عبد الله ورسولهُ، هاجرتُ إِلى الله وإليكم، فالمحيا محْياكم، والمماتُ مماتُكم، قالوا: والله، ما قلنا إِلا ضِنَّا بالله ورسوله، قال: فإن الله ورسولَهُ يُصَدِّقَانِكم ويَعْذِرانِكم» . أخرجه مسلم.

وفي رواية أبي داود عن عبد الله بن رباح الأنصاريِّ عن أبي هريرة قال: «إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - لما دخل مكة سَرَّحَ الزبيرَ بن العوام، وأبا عُبيدة بنَ الجراح، وخالد بنَ الوليد على الخيل، وقال: يا أبا هريرة، اهْتِفْ بالأنصار، فلما اجتمعوا قال: اسْلُكُوا هذا الطريق، فلا يُشرِفنَّ لكم أحد، إِلا أنَمْتُموه، فنادى مُنَاد: لا قريشَ بعد اليوم، فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-: مَن دخل داراً فهو آمِن، ومَن أَلْقَى السلاحَ فهو آمِن، فعَمَد صَنَادِيدُ قريش فدخلوا الكعبةَ، فَغَصَّ بهم، وطاف النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وصلَّى خَلفَ المقام، ثم أخذ بجَنَبَتي الباب، فخرجوا، فبايعوا النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - على الإسلام» (٥) . ⦗٣٧٢⦘

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(المُجنِّبَتَين) المُجَنِّبَةُ: جَانِبُ العسكر، وله مُجَنِّبتان: ميمنة وميسرة.

(على الحُسَّر) جمع حاسر، وهو الذي لا دِرْعَ عليه ولا مِغْفَر، وقد روي في كتب الغريب «الحُبَّس» وهم الرَّجَّالة، سموا بذلك لتأخرهم عن الركبان، قال: وأحسب الواحد حَبِيساً، فعيل بمعنى مفعول، ويجوز أن [يكون] حابساً، كأنه يَحْبِسُ مَن يسير من الركبان بمسيره.

قال الحميدي: والذي رأيناه من رواية أصحاب الحديث «الحسّر» والله أعلم.

(وَبَّشت أوباشها) الأوباش: الجموع من قبائل شتى، والتوبيش: الجمع، أي: جمعت لها جموعاً من أقوام متفرِّقين في الأنساب والأماكن.

(أُبِيدت خضراءُ قريش) أي: استُؤْصِلَتْ وأُهْلِكت، وخضراؤها: سوادها ومعظُمها، والعرب تُعبِّر بالخُضرة عن السواد، وبالسواد عن الكثرة.

(الضِّنُّ) : البخل والشُّحُ، ضَنِنْتُ أَضنُّ، وضَنَنْتُ أضِنُّ.

(فَاسْتَلَمَه) استلام الحجر الأسود: لَمسهُ باليد.

(سِيَة القوس) مخففاً: طرفها إلى موضع الوَتر.

(زهق الباطل) أي: اضْمَحَلَّ وذهب ضائعاً. ⦗٣٧٣⦘

(البَيَاذِقَةُ) الرَّجَّالة، سمّوا بذلك لخفة حركتهم، وأنهم ليس معهم ما يثقلهم، وهذا القول مما يعضد رواية أصحاب الغريب في «الحبس» موضع «الحُسَّر» فإن الحبَّس: هم الرَّجَّالة على ما فسروه، فقد اتفقت الروايتان في المعنى، فقال مرة: «الحبَّس» وقال مرة: «البياذقة» أراد بهما: الرَّجَّالة، بخلاف «الحسَّر» وقد يمكن أن يجمع بين «الحسّر» و «البياذقة» فإن «الحسَّر» هم الذين لا سلاح معهم، أو لا درع عليهم ولا مِغْفَر، والغالب من حال الدَّارعين: أنهم الفُرسان، وأن الرَّجَّالة: لا يكون عليهم دروع، لأمرين، أحدهما: أن الراجل يثقله الدِّرع، والآخر: أن الرَّاجل لا يكون له درع لضعفه ورِقَّة حاله، والله أعلم.

(احْصدُوهم) الحصد: كناية عن الاستئصال والمبالغة في القتل.

(أحْفَى) قال الحميدي: أحْفى بيده: أشار بحافتها، وصفاً للحصد والقتل.

(أناموه) أي: قتلوه، ومنه سمي السيف مُنِيماً، أي: مُهلكاً.


(١) لفظة " اهتف " ليست في نسخ مسلم المطبوعة.
(٢) في نسخ مسلم المطبوعة: ووبشت قريش أوباشاً لها وأتباعاً.
(٣) في نسخ مسلم المطبوعة: أعطينا الذي سئلنا.
(٤) في نسخ مسلم المطبوعة: اليوم نوبتي.
(٥) رواه مسلم رقم (١٧٨٠) في الجهاد، باب فتح مكة، وأبو داود رقم (٣٠٢٤) في الخراج والإمارة، باب ما جاء في خبر مكة.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
أخرجه مسلم (١٧٨٠) حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي هريرة، قال: فذكره.
وأخرجه أبو داود (٣٠٢٤) حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا سلام بن مسكين، ثنا ثابت البناني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي هريرة، فذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>