للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٩٣٠٤ - (خ د م) عبد الرحمن بن أبي بكر - رضي الله عنهما - قال: «إن أصحاب الصُّفَّة كانوا ناساً فقراء، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال مرة: مَنْ كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، بسادس - أو كما قال- وإن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- بعشرة، قال: فهو أنا وأبي وأُمي - ولا أدري هل قال: وامرأتي - وخادم [بين] بيتنا وبيت أبي بكر، وإن أبا بكر تعشَّى عند النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- ثم لبث حتى صلى العشاء، ثم رجع فلبث حتى تعشَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- وفي رواية: حتى نَعسَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم- فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء الله، قالت له امرأته: ⦗٦٧٤⦘ ما حَبَسك عن أضيافك - أو قالت: ضيفِك؟ - قال: أو ما عَشَّيتيهم؟ قالت: أبَوْا حتى تجيء، وقد عَرَضُوا عليهم [فَغَلَبُوهم] ، قال: فذهبت أنا فاختبأت،

فقال: يا غُنْثَر، فجدَّع وسَبَّ، وقال: كلوا، لا هنيئاً (١) ، وقال: واللهِ لا أطعمه أبداً، قال: وايم الله، ما كنا نأخذ من لُقمةٍ إلا رَبا من أسفلها أكثرَ منها، حتى شَبِعوا، وصارت أكثر مما كانت قبل ذلك، فنظر إليها أبو بكر، فإذا هي كما هي، أو أكثر، فقال لامرأته: يا أخت بني فِراس، ما هذا؟ قالت: لا، وقُرَّة عيني، لهي الآن أكثرُ منها قبل ذلك بثلاث مرات، فأكل منها أبو بكر وقال: إنما كان ذلك من الشيطان - يعني يمينه - ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، فأصبحت عنده، قال: وكان بيننا وبين قوم عهد، فمضى الأجل فتفرَّقنا اثني عشر رَجُلاً، مع كل رجل منهم أناس - والله أعلم كم مع كل رجل؟ - فأكلوا منها أجمعون، أو كما قال» .

وفي رواية قال: «جاء أبو بكر بضيفٍ له - أو أضياف له - فأمسَى عند النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- فلما جاء، قالت له أمي: احتُبِستَ عن ضيفك - أو أضيافِكَ - الليلة، فقال: أما عَشَّيْتِيهِمْ؟ فقالت: عرضنا عليه - أو عليهم - فأبَوْا، أو أبى، فغضب أبو بكر، فسَبَّ وجَدَّع، فحلف لا يطعَمه، فاختبأت أنا، فقال: يا غُنْثَر، فحلفتْ المرأةُ لا تطعَمه، فحلف الضيف - أو الأضياف - أن لا يطعَمه - أو لا يطعَموه - حتى يطعَمه، فقال أبو بكر: هذه من الشيطان، ⦗٦٧٥⦘ فدعا بالطعام فأكل وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا رَبَتْ من أسفلها أكثر منها، فقال: يا أخت بني فِراس، ما هذا؟ فقالت: وقُرَّةِ عيني إنها الآن لأكثر [منها] قبل أن نأكل، فأكلوا، وبعث بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-، فذكر أنه أكل منها» .

وفي أخرى «أن أبا بكر تَضَيَّفَ رَهطاً، فقال لعبد الرحمن: دونك أضيافَك، فإني منطلق إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، فافْرُغْ مِنْ قِراهم قبل أن أجيءَ، فانطلق عبد الرحمن، فأتاهم بما عنده، فقال: اطعَمُوا، فقالوا: أين ربُّ منزلنا؟ قال: اطعموا، قالوا: ما نحن بآكلين حتى يجيء ربُّ منزلنا، قال: اقبلوا عَنَّا قِراكم، فإنه إن جاء ولم تطعَموا لَنَلْقَيَنَّ منه فأبَوْا، فعرفتُ أنه يَجِدُ عليَّ، فلما جاء تَنَحَّيت عنه، قال: ما صنعتم؟ فأخبروه فقال: يا عبد الرحمن، فسَكَتُّ، فقال: يا غُنْثَر، أقسمت عليك إن كنت تسمع صوتي لما جئتَ، فخرجت فقلتُ: سَلْ أضيافك، فقالوا: صَدَقَ أتانا به، فقال: إنما انتظرتموني، والله لا أطْعَمه الليلة، فقال الآخرون: والله لا نطعَمُه حتى تطعَمَه، قال: لم أَرَ في الشرِّ كالليلة، وَيْلكم، مالكم لا تقبلون عنا قِراكم؟ (٢) هاتِ طعامك، فجاء به، فوضع يده، فقال: بسم الله، الأولى للشيطان، فأكل وأكلوا» .

زاد في رواية «فلما أصبح غدا على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، بَرُّوا وحَنثْتُ، قال - وأخبره - فقال: بل أنت أَبَرُّهم وأخيَرُهم، قال: ولم ⦗٦٧٦⦘ تبلغني كفَّارة» . أخرجه البخاري ومسلم.

وفي رواية أبي داود قال: «نزل بنا أضياف لنا، وكان أبو بكر يتحدَّث عند رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-، فقال: لأرجعنَّ إليك حتى تَفْرُغَ من ضيافة هؤلاء، ومِن قِراهم فأتاهم بقِراهم، فقالوا: لا نطعَمه حتى يأتيَ أبو بكر، فجاء فقال: ما فعل أضيافكم؟ أفرغتم من قِراهم؟ قالوا: لا، قلت: قد أتيتهم بقِراهم، فقالوا: لا نطعَمه حتى يجيء، فقالوا: صدق، قد أتانا به فأبينا حتى تجيء، قال: فما منعكم؟ قالوا: مكانَك، قال: فوالله لا أطعَمه الليلة، قال: فقالوا: ونحن، والله لا نطعَمُه حتى تطعَمَه، قال: ما رأيتُ في الشَّرِّ كالليلة قَطُّ، قَرِّبوا طعامَكُم، قال: فقرَّب طعامهم، ثم قال: بسم الله، فطعِم وطعِموا، فأُخبرتُ أنه أصبح، فغدا على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم-، فأخبره بالذي صنع وصنعوا، فقال: بل أنت أبرُّهم وأصدقُهم» .

زاد في رواية قال: «ولم يبلغني كفَّارة» (٣) .

[شَرْحُ الْغَرِيبِ]

(غُنْثَر) روي بضم الغين وفتحها، وهو من الغثارة، وهي الجهل، ⦗٦٧٧⦘ وقيل: هو من الغَنْثرة، وهي شرب الماء من غير عطش، وذلك من الحمق، وقيل: «غنثر» كلمة يقولها الغَضِبُ إذا ضاق صدره من شيء جرى على غير ما أراده، قال بعض أهل اللغة: أحسبه الثقيل الوخِم.

وقد ذكر الزمخشري: أنها رويت بالعين المهملة مفتوحة والتاء المعجمة بنقطتين: وهو الذباب الأزرق، شبهه به تحقيراً له، ويجوز أن يكون شبَّهه به لكثرة أذاه.

(فجدَّع) المجادعة: المخاصمة.

(ربا) الشيء يربو: إذا زاد وارتفع.

(بَرَّ) الرَّجُلُ فهو بارٌّ: إذا صَدَق.

(حنِث) في اليمين: إذا نقض ما حلف عليه وخالفه.


(١) إنما قاله لما حصل له من الحرج والغيظ بتركهم العشاء بسببه.
(٢) في نسخ البخاري المطبوعة: ويلكم، ما أنتم؟ لم لا تقبلون عنا قراكم؟ .
(٣) رواه البخاري ٢ / ٦١ في مواقيت الصلاة، باب السمر مع الأهل والضيف، وفي الأنبياء، باب علامات النبوة في الإسلام، ومسلم رقم (٢٠٥٧) في الأشربة، باب إكرام الضيف وفضل إيثاره، وأبو داود رقم (٣٢٧٠) و (٣٢٧١) في الأيمان، باب فيمن حلف على طعام لا يأكله.

[تعليق أيمن صالح شعبان - ط دار الكتب العلمية]
١- أخرجه أحمد (١/١٩٧) (١٧٠٢) قال: حدثنا محمد بن أبي عدي. وفي (١/١٩٧) (١٧٠٤) قال: حدثنا عارم، وعفان، قالا: حدثنا معتمر بن سليمان. وفي (١/١٩٨) (١٧١٢) قال: حدثنا عارم، قال: حدثنا معتمر بن سليمان. وفي (١/١٩٨) (١٧١٣) قال: حدثنا عفان، قال: حدثنا معتمر بن سليمان، والبخاري (١/١٥٦) قال: حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا معتمر بن سليمان. وفي (٤/٢٣٦) قال: حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا معتمر. وفي (٨/٤١) قال: حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثنا ابن أبي عدي ومسلم (٦/١٣٠) قال: حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري، وحامد بن عمر البكراوي، ومحمد بن عبد الأعلى القيسي، كلهم عن المعتمر..
كلاهما - محمد بن أبي عدي، ومعتمر - عن سليمان التيمي.
٢- وأخرجه البخاري (٨/٤٠) قال: حدثنا عياش بن الوليد، قال: حدثنا عبد الأعلى. ومسلم (٦/١٣١) قال: حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثنا سالم بن نوح العطار. وأبو داود (٣٢٧٠) قال: حدثنا مؤمل بن هشام، قال: حدثنا إسماعيل. وفي (٣٢٧١) قال: حدثنا بن المثنى، قال: حدثنا سالم بن نوح، وعبد الأعلى.
ثلاثتهم - عبد الأعلى، وسالم بن نوح، وإسماعيل بن علية - عن سعيد الجريري.
كلاهما - سليمان التيمي، وسعيد الجريري - عن أبي عثمان، فذكره.
* في رواية إسماعيل بن علية، عن الجريري، عن أبي عثمان، أو عن أبي السليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>