للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشرح:

قال ابن بطال رحمه الله: وفيه أن رسول الله قال: «إذا قدم العشاء، فابدؤوا به قبل أن تصلوا صلاة المغرب، ولا تعجلوا عن عشائكم» رواه ابن عمر، عن النبي أيضا، فكان ابن عمر يوضع له الطعام، وتقام الصلاة، فلا يأتيها حتى يفرغ منه، وإنه ليسمع قراءة الإمام. وقال ابن عمر مرة: قال رسول الله: «إذا كان أحدكم على الطعام فلا يعجل، حتى يقضي حاجته منه، وإن أقيمت الصلاة».

واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث: فذكر ابن المنذر أنه قال بظاهره عمر بن الخطاب، وابن عمر، وهو قول الثوري، وأحمد، وإسحاق، وقال الشافعى: يبدأ بالطعام إذا كانت نفسه شديدة التوقان إليه، فإن لم يكن كذلك ترك العَشاء، وإتيان الصلاة أحب إلى.

وذكر ابن حبيب مثل معناه، وقال ابن المنذر: عن مالك، يبدأ بالصلاة، إلا أن يكون طعاما خفيفا، وقال أهل الظاهر: لا يجوز لأحد حضر طعامه بين يديه، وسمع الإقامة، أن يبدأ بالصلاة قبل العشاء، فإن فعل فصلاته باطلة.

وحجة الذين قالوا يبدأ بالصلاة، أنهم حملوا قوله عليه السلام: «فابدؤوا بالعشاء» على الندب لما يخشى من شغل باله بالأكل فيفارقه الخشوع، وربما نقص من حدود الصلاة، أو سها فيها، وقد بين هذا المعنى أبو الدرداء في قوله: «من فقه المرء إقباله على طعامه حتى يقبل على صلاته وقبله فارغ» ولو كان إقباله على طعامه هو الفرض عليه لم يقل فيه: «من فقه المرء أن يبدأ به» بل كان يقول: الواجب عليه اللازم له أن يبدأ به، فبين العلة في قوله عليه السلام: «ابدؤوا بالعشاء) أنها لما يخاف من شغل البال، وقد رأينا شغل البال فى الصلاة لا يفسدها؛ ألا ترى أن النبى صلى في جبة لها علم، فقال: «خذوها وائتونى بأنبجانية» فأخبر أن قلبه اشتغل بالعَلم ولم تبطل صلاته. «»

وقال عمر بن الخطاب: إني لأجهز جيشى وأنا في الصلاة، وقال عليه السلام: «لا يزال الشيطان يأتي أحدكم فيقول له: اذكر كذا، حتى يضل الرجل، لا يدرى كم صلى»، ولم يأمرنا بإعادتها لذلك، وإنما استحب أن يكون المصلى فارغ البال من

<<  <  ج: ص:  >  >>