للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

خواطر الدنيا؛ ليتفرغ لمناجاة ربه. وقد اشترط بعض الأنبياء على من يغزو معه أن لا يتبعه من ملك بضع امرأة ولم يبن بها، ولا من بنى دارا ولم يكملها؛ ليتفرغ قلبه من شواغل الدنيا، فهذا في الغزو، فكيف في الصلاة التي هي أفضل الأعمال، والمصلى واقف بين يدى الله.

وقد احتج بهذا الحديث الكوفيون، وأحمد، وإسحاق، في أن وقت المغرب واسع، وقالوا: لو كان لها وقت واحد، ما كان لأحد أن يشتغل فيه بالأكل حتى يفوت (١).

قال الخطابي رحمه الله تعالى: قوله: «فابدؤوا بالعشاء» لفظه عام والمراد به خاص، وإنما رخص في ذلك للصائم الذي تاقت نفسه إلى الطعام، أو الجائع الذي قد بلغ منه الجوع الضعف، لأنهما إذا قاما إلى الصلاة وفي أنفسهما الحاجة إلى الطعام لم يستوفيا شرائط الصلاة وحقوقها من الخشوع والإخلاص لمنازعة النفس الطعام، ولم يكن من عادة القوم الاستكثار من الأطعمة ونقل الألوان فتطول مدة الأكل ويفوت معه وقت الصلاة، إنما كانوا يتناولون الخفيف من الطعام شربة لبن أو كف تمر أو نحو ذلك.

فأما من لم يكن به الجوع الغالب فإنه لا يؤخر الصلاة للطعام بدليل الحديث الآخر (٢).

قلت: تبين مما تقدم أن المراد بالعِشاء صلاة المغرب، وعلى هذا بنى الإمام أحمد والكوفيون وإسحاق بن راهوية فيم تقدم، وهنا قول الخطابي: أنه عام أريد به الخصوص، يعني عموم الصلوات، وأريد خصوص صلاة المغرب.

قال الدارمي رحمه الله تعالى:

٢٣٦ - باب كَيْفَ يُمْشَي إِلَى الصَّلَاةِ:

١٣١٩ - (١) أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، ثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا» (٣).


(١) شرح صحيح البخاري لابن بطال (٢/ ٢٩٤).
(٢) أما أعلام الحديث (شرح صحيح البخاري) (١/ ٤٧٧).
(٣) رجاله ثقات، وأخرجه البخاري حديث (٦٣٦، ٩٠٧) ومسلم حديث (٦٠٢) وانظر: (اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان حديث ٣٥٠، ٣٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>