للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشرح:

قال القاضي عياض رحمه الله: " احتج بعض الناس بهذا الحديث على أن التداوي مكروه، وجل مذاهب العلماء على خلاف ذلك، واحتجوا بما وقع في أحاديث كثيرة من ذكره -صلى الله عليه وسلم- لمنافع الأدوية والأطعمة، كالحبة السوداء والقسط والصبر وغير ذلك، وبأنه -صلى الله عليه وسلم- تداوى، وبأخبار عائشة رضى الله عنها بكثرة تداويه، وبما علم من الاستشفاء برقاه، وبالحديث الذى فيه أن بعض أصحابه أخذوا على الرقية أجرا، فإذا ثبت هذا صح أن يحمل ما في الحديث على قوم يعتقدون أن الأدوية نافعة بطباعها، كما يقول بعض الطبائعيين، لا أنهم يفوضون الأمر إلى الله تعالى، وهذا على نحو التأويل المتقدم في حديث الاستمطار بالنجوم.

قال القاضي: لهذا التأويل ذهب غير واحد ممن تكلم على الحديث، ولا يستقيم على مساق الحديث؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يذم هنا من قال بالكي والرقى ولا كفرهم، كما جاء في حديث الاستمطار بالنجوم، ولا ذكر سواهما، فيستقيم أن يتأول بذلك ما ذكروه، وإنما أخبر أن هؤلاء لهم مزية وفضيلة بدخولهم الجنة بغير حساب، وبأن وجوههم تضيء إضاءة البدر، فقيل: ومن هم يا رسول الله؟ فقال: " الذين لا يكتوون … الحديث، فأخبر أن لهؤلاء مزيد خصوص على سائر المؤمنين وصفات تميزوا بها، ولو كان على ما تأوله قبل لما اختص هؤلاء بهذه المزية؛ لأن تلك هي عقيدة المؤمنين، ومن اعتقد خلاف ذلك كفر، وقد تكلم العلماء وأصحاب المعاني على هذا، فذهب أبو سليمان الخطابي وغيره أن وجه هذا أن يكون تركها على جهة التوكل على الله والرضى بما يقضيه من قضاء وينزله من بلاء، قال: وهذه من أرفع درجات المتحققين بالإيمان، وإلى هذا ذهب جماعة من السلف سماهم.

قال القاضي: وهذا هو ظاهر الحديث، ألا ترى قوله: " وعلى ربهم يتوكلون " (١).

قال الدارمي رحمه الله تعالى:

١١٩٩ - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَلْفاً


(١) إكمال المعلم بفوائد مسلم (١/ ٦٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>