للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعدم الأمر للاكتفاء بما في أدلة تطهير النجس من العموم، ولو سلم فغايته الترخيص في الصيد بخصوصه، واستدلوا أيضا بما ثبت من حديث ابن عمر بلفظ: «كانت الكلاب تقبل وتدبر في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك» (١)، وهذا مردود بأن مجرد الإقبال والإدبار لا يدلان على الطهارة، والأقرب أن يقال: إن ذلك كان في ابتداء الحال على أصل الإباحة، ثم ورد الأمر بتكريم المساجد وتطهيرها، وجعل الأبواب عليها، واستدلوا على الطهارة أيضا بالترخيص في كلب الصيد والماشية والزرع، وأجيب بأنه لا منافاة بين الترخيص وبين الحكم بالنجاسة، وغاية الأمر أنه تكليف شاق وهو لا ينافي التعبد به (٢)، وعلى هذا نرى عدم جواز تربية الكلاب واقتنائها، إلا لحاجة ماسة، وفائدة ظاهرة لا يستغنى عنها، فلا بأس حينئذ كما هو الحال من التطور في تعليم الكلاب مهارات نافعة، كالكشف عن السرقات والممنوعات، والحراسات وغير ذلك من المنافع، وما كان استثناء الصيد والماشية والزرع، إلا لبيان الجواز في المنافع ولو تعددت، وليس المراد الحصر، مع لزوم القول بنجاستها تعبدا، وعدم مخالطتها واحتضانها إلا لضرورة ويجب التطهر، ولا يجوز تدريبها على تعذيب الناس، وامتهان كرامة الإنسان، مهما كانت جريمته، ومن فعل ذلك فقد تعدى وظلم.

قال الدارمي رحمه الله تعالى:

١١٧ - باب الْفَأْرَةِ تَقَعُ فِي السَّمْنِ

٧٥٤ - (١) أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِاللَّه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، عَنْ مَيْمُونَةَ: أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ فَمَاتَتْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوهُ» (٣).

رجال السند: مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، هو الفريابي، وابْنُ عُيَيْنَةَ، هو سفيان، والزُّهْرِيُّ، هو محمد بن مسلم، وعُبَيْدُ اللَّهِ، هو ابن عبد الله بن عمر ثقة تقدم، وهم أئمة ثقات


(١) البخاري حديث (١٦٨).
(٢) نيل الأوطار ١/ ٤١.
(٣) رجاله ثقات، أخرجه البخاري حديث (٢٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>