للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

«إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ» فقال للمرسلين: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (١)، وهذا نداء من الله -عز وجل- لجميع المرسلين أنه أباح لهم الأكل من كل ما يستطاب، وأن يعملوا الصالحات من الأقوال والأفعال، مبينا أنه عليم بما يقولون ويفعلون، ولا يخفى عليه شيء، فيجازي كلا بما عمل. وخاطب المؤمنين فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (٢)، والمؤمنون، هم أتباع الرسل عليهم السلام، وقد أمر الله -عز وجل- الرسل بأن يأكلوا من الطيبات، ويعملوا الصالحات، قال تعالى: {الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (٣)، فأمر الله -عز وجل- المؤمنين أتباع الرسل بذلك لما في التقيد بالأكل من الطيبات، وإتْباع ذلك بالأعمال الصالحة من أثرٍ طيبٍ في قبول الأعمال في الدنيا، والثواب عليها في الآخرة، لذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين» (٤)، ومن أعظم النعم قبول الأعمال، ولذلك أُمر المؤمنون بشكر الله -عز وجل- تحقيقا لصدقهم في عبادته تعالى وحده لا شريك له.

قوله: «الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ … » قال القزويني رحمه الله: أراد بـ " الرجل ": الحاج الذي أثر به السفر، وأخذ منه الجهد والبلاء، وأصابه الشعث، وعلاه الغبرة، فطفق يدعو الله على هذه الحالة، وعنده أنها من مظان الإجابة؛ فلا يستجاب له، ولا يعبأ ببؤسه وشقائه؛ لأنه متلبس بالحرام، صارفٌ النفقة من غير حلها (٥).

قلت: وهو عام في كل من يكسب الحرام، سواء حج أم لم يحج، وإنما مثل بالحاج آكل الحرام؛ لأن الحج إقبال على الله -عز وجل-، فإذا كانت نفقته من ماله المكتسب من الحرام، فكيف يستجاب له، ولا ريب أن من باب أولى غير الحاج.


(١) الآية (٥١) من سورة المؤمنون.
(٢) من الآية (١٧٢) من سورة البقرة.
(٣) الآية (٥١) من سورة المؤمنون.
(٤) مسلم حديث (٢٣٩٣).
(٥) الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي (٢/ ٦٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>