للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

قالوا: وما هو؟ - قال: كثبان (١)، من مسك، يخرجون إليها فيجتمعون، فيها، فيبعث الله عليهم ريحا فتدخلهم بيوتهم، فيقول لهم أهلوهم: لقد ازددتم بعدنا حسنا، ويقولون لأهليهم: مثل ذلك» هذا لفظ الدارمي، ورجاله ثقات، ومن الرواة من وقفه على أنس، ولفظه عند الإمام مسلم رحمه الله من رواية ثابت عن أنس مرفوعا «إن في الجنة لسوقا يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثو في وجوههم وثيابهم، فيزدادون حسنا وجمالا، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا، فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا» والمراد بالسوق: مكان يجتمع فيه أهل الجنة، لمزيد من إكرام الله لهم، وزيادة في المتعة والأنس، وليس المراد أنه مكان تزاول فيه أعمال كأسواق الدنيا، فالجنة لا عمل فيها ولا عبادة فيها، ولا حزن ولا غِل ولا حسد ولا تنافس، لأن هذا كله من لوازم الحياة الدنيا، وليس في الجنة إلا المتعة والأنس (٢)، وكل ما تشهيه الأنفس من هذا القبيل. يأتونها كل جمعة: الجنة دار خلود لا عَدد فيها بقليل ولا كثير، ولا شمس بها ولا قمر، فليس فيها شيء مما كان في الدنيا إلا مجرد الاسم فقط، مع اختلاف الماهية، إذن المراد بالجمعة هنا المعاودة لزيادة المتعة والحسن والجمال، ولذلك تراهم إذا عادوا إلى أهليهم ازداد الحسن والجمال في الطرفين، فكل يرى الآخر أكثر حسنا وجمالا، وهذا من كمال المتعة والأنس، فلا يرد شيء من الكدر، ولا سبيل لشيء مما كان في الدنيا إلى نفوسهم، بل هم من حسن إلى أحسن، ومن جمال إلى أجمل، ولا يطأون مكانا إلا وهو أكمل وأجمل من سابقه، حتى لو عادوا إلى الموقع الأول لكان أجمل وأحسن مما كان.

ريح الشمال: ليس في الجنة جهات الدنيا الأربع، لعدم وجود الليل والنهار،

وذُكرت ريح الشمال، لأنها الأحب عند العرب، فهي ريح السحاب والمطر، وقد يقال: قيل لها الشمال: لأنها تأتي من قبل شمائلهم، كائنة بذلك الوصف الجميل، فكونها تلامس وجوههم وثيابهم بما يزيدهم حسنا وجمالا.


(١) مفرده كثيب، وهو الرمل المجتمع.
(٢) مؤلف القول الجميل، والانتماء إلى أولياء الله، والإرشاد إلى علوم الإسناد.

<<  <  ج: ص:  >  >>