مجتمع الماء، ولا يكون إلا على وَجْهِ الكثرة والقرار والثبوت، وعليه فالبَرَكة كثرة الخيرات ودوامها واستمرارها، ويشمَلُ البَرَكَة في العمل والبَرَكة في الأثر.
أما البَرَكَة في العمل: فأن يُوفِّق الله الإنسان لعمل لا يُوفَّق له مَن نُزعت منه البَرَكة.
وأما البَرَكَة في الأثر: بأن يكون لعمله آثار جليلة نافعة ينتفع بها الناس، ولا شَكَّ أن بَرَكَة النبيِّ ﵊ لا نظيرَ لها، وذلك لأن أمَّته أكثر الأمم، ولأن اجتهادهم في الخير أكثر من اجتهادِ غيرهم، فَبُورِكَ له ﵊ فيمن اتبعَه، وبُورِكَ له في عَمَلِ من اتبعَه.
قوله:«وعلى آل محمد كَمَا باركت على آل إبراهيم» سَبَقَ أنَّ الآل إذا أُفرِدت تشمَلُ جميعَ الأتباعِ، فالمرادُ بآله أتباعه، وسَبَقَ الشَّاهدُ من كون الآل بمعنى الأتباع، وهو قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ﴾ [غافر: ٤٦] يعني: أتباعه.
أما إذا قُرنت الآلُ بالأصحاب والأتباع؛ صار المرادُ بها المؤمنين مِن قرابتِه من بني هاشم، ومَن تفرَّع منهم؛ لأن الآل يشمَلُ إلى الجَدِّ الرابع.
ولا عَجَبَ أن يكون لِلَّفْظِ معنًى عند الانفراد، ومعنًى عند الاقتران، فالمسكين مثلاً والفقير بمعنى واحد عند الانفراد، ولكُلِّ واحدٍ منهما معنى عند الاقتران والاجتماع، والبِرُّ والتقوى كذلك؛ لكُلِّ واحدة منهما معنى عند الاقتران، ويتَّفق معناهما عند الافتراق.