للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالالتفات بالبدن سبق حكمُه، أما الالتفات المعنوي القلبي فهذا هو العِلَّة التي لا يخلو أحدٌ منها، وما أصعب معالجتها! وما أقل السالم منها! وهو منقص للصلاة، ويا ليته التفات جزئي! ولكنه التفات من أول الصلاة إلى آخرها، وينطبق عليه أنه اختلاسٌ يختلسه الشيطان من صلاة العبد، بدليل أن الرسول لما شَكَى إليه الرَّجُلُ هذه الحال قال له: «ذاك شيطان يُقال له: خِنْزَبٌ، فإن أحسست به فاتفل عن يسارِك ثلاث مَرَّات، وتعوَّذ بالله منه» (١).

وَرَفْعُ بَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ ...........

قوله: «ورفع بصره إلى السماء» أي: يُكره رَفْعُ بصرِه إلى السماء وهو يُصلِّي، سواءٌ في حال القراءة أو في حال الرُّكوعِ، أو في حال الرَّفْعِ من الرُّكوع، أو في أي حال من الأحوال؛ بدليل وتعليل:

أما الدليل، فلأن النبيَّ قال: «لينتهينَّ أقوامٌ عن رَفْعِ أبصارِهم إلى السَّماءِ في الصَّلاة؛ أو لتُخْطَفَنَّ أبصارُهم» (٢) أي: إما أن ينتهوا، وإما أن يعاقبوا بهذه العقوبة وهي: أن تُخطف أبصارهم فلا ترجع إليهم، واشتدَّ قوله في ذلك، والحقيقة أن الدَّليل أقوى من المدلول؛ لأن الدليل يقتضي أن يكون رَفْعُ البصرِ إلى السَّماءِ محرَّماً، فإن الرَّسول حَذَّر منه، واشتدَّ قوله فيه، ثم ذَكَرَ عقوبة محتملة، وهي أن تُخطف أبصارهم، ولا ترجع إليهم. ومن المعلوم أن التحذير عن الشيء بِذِكْرِ عقوبة يدلُّ على أنه حرام، كما قلنا في قوله : «أَمَا يَخشى الذي يرفعُ رأسَه


(١) أخرجه مسلم وهو الحديث السابق.
(٢) تقدم تخريجه ص (٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>