منها لم يملك غيرها، فمن وُلي في الأنكحة ونظر في الفرائض لم ينفذ حكمه ولو حكم بالشرع، وهذا يدلك على أن الإسلام ينظر إلى هذه المسائل على وجه الضبط؛ لأنه لو خلي الأمر متفلتاً، كلٌّ يتكلم ويحكم بما شاء، ضاعت الأمور، اللهم إلا في مسألة التحكيم، يعني لو أن رجلين رضيا أن يُحكما فلاناً في مسألة بينهما، وإن لم تكن مما وُلي فيه، فهذا لا بأس به، حتى ولو رضيا أن يحكِّما شخصاً غير قاضٍ كما سيأتي، لكن القضاء الذي يكون مستنداً إلى تولية ولي الأمر لا يمكن أن ينفذ حكمه إلا على حسب ما خط له.
قوله:«ويشترط في القاضي عشر صفات» قبل أن نتكلم عن هذه الصفات، يجب أن نعرف أن كل ولاية وعمل لا بد فيه من ركنين: القوة والأمانة، القوة، على ذلك العمل، والأمانة فيه، فالعمل الذي يتطلب العلم لا بد أن يكون المتولي له عالماً، والذي يعتمد قوة البدن لا بد أن يكون متوليه قوي البدن، ولا بد أن يكون أميناً؛ لأن من ليس بأمين لا يمكن أن ينفذ العمل على الوجه المرضي، ويدل على هذين الركنين قول العفريت من الجن لسليمان ﵇ لما قال: ﴿أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ ﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ *﴾ [النمل]، أيضاً قوله تعالى عن ابنة صاحب مدين: ﴿يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ﴾ [القصص: ٢٦]، فكل عمل وكل ولاية لا بد فيها من هذين الركنين: القوة والأمانة، ومن الأعمال الهامة التي هي من أجَلِّ