ثم اعلم أن هذا الباب كما قلنا سابقاً: مستثنى من عمومات بعللٍ لا بمسموعات، وهذه العلل قد تقوى على تخصيص العموم، وقد تضعف، وقد تتوسط، فهي مع قوة التخصيص مُخصِّصة، ومع ضعف التخصيص لا تُخصِّص قطعاً، ومع التساوي محل نظر، والقاضي في القضية المعينة يمكنه أن يحكم بقبول الشهادة، أو ردها بهذه الأمور.
وقوله:«ولا عدو على عدوه» فلا تقبل للتهمة، لكن إذا كان مبرزاً في العدالة في جميع الموانع المذكورة فإنها تقبل لزوال التهمة، ودليل ذلك في العدو قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: ٨]، وشنآن بمعنى بغض وعداوة، فلا تحملكم العداوة والبغض على ترك العدل ﴿اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾، فإذا علمنا أن هذا الرجل عادل فإنه إذا شهد على عدوه تكون شهادته مقبولة، كما إذا حكم عليه.
قوله:«كمن شهد على من قذفه، أو قطع الطريقَ عليه» هذان مثالان للعداوة، فما ذكره المؤلف مثالاً لا حصر، رجل مقذوف والمقذوف هو الذي رُمِيَ بزنا أو لواط، ومعروف أن الزنا واللواط يخدشان كرامة الإنسان، ويسقطانه من أعين الناس، ويستبيحان عرضه، فإن الناس يتكلمون فيه، فإذا قذف رجل شخصاً بالزنا، ثم في يوم من الأيام شهد المقذوف على من قذفه بالزنا، فإن الشهادة لا تقبل؛ لأن قذفه إياه بالزنا سببٌ للعداوة، أما من شهد بأن فلاناً قذفه فليس هذا مراد المؤلف؛ لأن هذا ليس بشاهد ولكنه مدعٍ.