في هذا، فإن بعض أهل العلم قال: إذا ثبت ببينة أنها تلفت فيكون إنكاره كذباً وتُصدَّق البينة، والمذهب يقولون: تبين كذب البينة بقوله هو، فهو أقر ضمناً أن البينة كاذبة.
لكن بعض العلماء يقول: إذا قامت البينة فليعمل بها؛ لأنه تبين أنه هو الكاذب، لكن في هذه الحال ينبغي للقاضي أن يحكم عليه بالتعزير لكذبه وخيانته، وإتعابه المودِع بإقامة الدعوى، وإشغال القاضي، وإشغال الشهود، فهو مستحق للتعزير من عدة أوجه، ولئلا يتلاعب أحد غيره، فإذا قيل: ليس عليك إلا ضمان الوديعة فلا يهمه، لكن إذا أُدِّب صار ردعاً له.
قوله:«بل في قوله ما لك عندي شيء ونحوه» مثاله: هذا الرجل في يوم الخميس قيل له: إن عندك وديعة، فقال: ليس عندي شيء، وثبت بالبينة أن عنده وديعة، ثم ادعى التلف يوم الأربعاء، يعني قبل الإنكار، وأقام بينة بذلك، فتقبل، سواء ببينة أو بغير بينة؛ لأن الرجل قال:«ما لك عندي شيء»، ومعلوم أن الوديعة إذا تلفت بلا تعدٍّ ولا تفريط، لم يثبت على المودَع شيء فيكون صادقاً في قوله:«ما لك عندي شيء» بخلاف ما لو قال: لم تودعني، والفرق ظاهر؛ لأنه إذا قال: لم تودعني فقد أنكر أصل الوديعة، أما إذا قال:«ما لك عندي شيء» فهو نفي لضمان الوديعة فيقبل قوله حتى لو ثبتت ببينة؛ لأنه لا يتنافى قوله وثبوت الوديعة، فهو يقول: نعم أنا قلت ما لك عندي شيء؛ لأني لا فرطت ولا اعتديت، وإذا تلفت الوديعة بدون تعدٍّ ولا تفريط فليس علي شيء.