الهِدايتين: هدايةَ الإرشادِ وذلك بالعِلْمِ، وهدايةَ التوفيقِ وذلك بالعمل؛ لأنه ليس كلُّ مَنْ عَلِمَ عَمِلَ، وليس كلُّ مَنْ عَمِلَ يكون عملُه عن عِلْمٍ وتمامٍ، فالتَّوفيقُ أن تعلَمَ وتعمَلَ.
وَعَافِنِي فِيْمَنْ عَافَيْتَ، ..........
قوله:«وعافني فيمن عافيت» أي: في جُملةِ مَنْ عافيتَ، وهذا ـ كما قلتُ آنفاً ـ مِنَ التَّوسُّلِ إلى الله تعالى بفِعْلِه في غيرِك، فكأنَّكَ تقول: كما عافيتَ غيري فعافِني. والمعافاة: المُراد بها المعافاةُ في الدِّين والدُّنيا، فتشملَ الأمرين: أنْ يعافيكَ مِنْ أسقام الدِّين، وهي أمراضُ القلوب التي مدارُها على الشَّهوات والشُّبُهاتِ، ويعافيك من أمراضِ الأبدان، وهي اعتلال صِحَّةِ البَدَنِ.
والإنسانُ مُحتاجٌ إلى هذا وإلى هذا، وحاجتُه إلى المُعافاةِ مِن مَرَضِ القلبِ أعظمُ مِن حاجتِهِ إلى المُعافاةِ مِن مَرَضِ البَدَنِ. ولهذا؛ يجبُ علينا أنْ نُلاحِظَ دائماً قلوبَنَا، وننظُرَ: هل هي مريضةٌ أو صحيحةٌ؟ وهل صَدِئتْ أو هي نظيفةٌ؟ فإذا كنت تنظِّفُ قلبَكَ دائماً في معاملتِكِ مع الله، وفي معاملتِكِ مع الخَلْقِ؛ حَصَّلتَ خيراً كثيراً، وإلا؛ فإنَّكَ سوف تَغْفُلُ، وتَفْقِدُ الصِّلةَ بالله، وحينئذٍ يَصْعُبُ عليكَ التراجعُ.
فحافظْ على أنْ تُفتِّشَ قلبَكَ دائماً، فقد يكون فيه مَرَضُ شُبْهةٍ أو مَرَضُ شهوةٍ، وكلُّ شيءٍ ولله الحمدُ له دَواءٌ، فالقرآن دواءٌ للشُّبُهاتِ والشَّهواتِ، فالترغيبُ في الجَنَّةِ والتحذيرُ مِن النَّارِ دواءُ الشَّهواتِ.
وأيضاً: إذا خِفْتَ أنْ تميلَ إلى الشَّهواتِ في الدُّنيا التي فيها المُتْعَةُ؛ فتذكَّرْ مُتْعَةَ الآخرة.