وذهب الإمام مالك إلى أن له أن يحرم من الجحفة؛ وعلل ذلك: أن هذا الرجل مرّ بميقاتين يجب عليه الإحرام من أحدهما، وأحدهما فرع، والثاني أصلٌ، فالأصل الجحفة، وميقات أهل المدينة فرع، وهو للتسهيل والتيسير على الإنسان، فله أن يدع الإحرام من الفرع إلى الأصل، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀.
والأحوط الأخذ برأي الجمهور؛ لعموم قول النبي ﷺ:«ولمن أتى عليهن من غير أهلهن»، فوقت هذا لمن أتى عليه، فيكون هذا الميقات الفرعي كالميقات الأصلي في وجوب الإحرام منه، والقول بهذا لا شك بأنه أحوط وأبرأ للذمة.
وهذه المواقيت الخمسة، عينها الرسول ﷺ لهذه البلاد قبل أن تفتح، فالشام ومصر في عهده لم تفتح، واليمن في عهده لم يفتح منه إلا جزء يسير، والعراق لم يفتح، قال العلماء: وهذا من آيات الرسول ﷺ؛ لأن توقيتها لأهل هذه البلاد، إشارة إلى أن هذه البلاد سوف تفتح، ويحج أهلها، ويصيرون مسلمين بعد أن كانوا كفاراً.
قوله:«ومن حج من أهل مكة فمنها»، أي: فيحرم من مكة، لقول النبي ﷺ حين وقّت المواقيت:«ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة»(١)؛ ولأن الصحابة ﵃ الذين حلوا من إحرامهم مع الرسول ﷺ