الأصل عدم ظَنِّه، فيبقى حديث ابن عباس محكماً سالماً من المعارضة، ويُقاس على النَّفْلِ الفرضُ قياساً لا شُبهة فيه.
النوع الثالث من الانتقالات: ما ذكره المؤلِّف بقوله:
وَإِنْ انْفَرَدَ مُؤْتَمٌّ بلا عُذْرٍ بَطَلتْ .........
«وَإِنْ انْفَرَدَ مُؤْتَمٌّ بلا عُذْرٍ بَطَلتْ»، وهذا يُعَبَّر عنه بالانتقال من ائتمام إلى انفراد، وفي هذا تفصيل: إن كان هناك عُذْر جاز، وإن لم يكن عُذْر لم يَجُزْ.
مثال ذلك: دخل المأموم مع الإمام في الصَّلاة؛ ثم طرأ عليه أن ينفرد؛ فانفرد وأتمَّ صلاته منفرداً، فنقول: إذا كان لعُذر فصحيح، وإن كان لغير عُذْرٍ فغير صحيح.
مثال العُذْر: تطويل الإمام تطويلاً زائداً على السُّنَّة، فإنه يجوز للمأموم أن ينفرد، ودليل ذلك: قصَّة الرَّجُل الذي صَلَّى مع معاذ ﵁ وكان معاذ يُصلِّي مع النبيِّ ﷺ العشاءَ، ثم يرجع إلى قومه فيُصلِّي بهم تلك الصَّلاة، فدخل ذات ليلة في الصَّلاة فابتدأ سُورةً طويلة «البقرة» فانفرد رَجُلٌ وصَلَّى وحده، فلما عَلِمَ به معاذ ﵁ قال: إنه قد نافق، يعني: حيث خرج عن جماعة المسلمين، ولكن الرَّجُل شكا ذلك إلى النبيِّ ﷺ فقال النبيُّ ﷺ لمعاذ:«أتريدُ أنْ تكون فتَّاناً يا مُعَاذُ»(١) ولم يوبِّخِ الرَّجُلَ، فَدلَّ هذا على جواز انفراد المأموم؛ لتطويل الإمام، لكن بشرط أن يكون تطويلاً خارجاً عن السُّنَّة؛ لا خارجاً عن العادة.
(١) رواه البخاري، كتاب الأدب: باب من لم يرَ إكفار من قال ذلك متأولاً، رقم (٦١٠٦)، ومسلم، كتاب الصلاة: باب القراءة في العشاء، رقم (٤٦٥) عن جابر ابن عبد الله ﵄.