قوله:«وَإنْ اجتَهَدَ مُجْتَهِدَانِ فَاخْتَلَفَا جِهَةً»، أي: بذلا الجُهد في معرفة القِبْلة.
والمجتهد في جهة القِبْلة هو: الذي يعرف أدلَّتها، كما أنَّ المجتهد في باب العِلْم هو الذي يعرف أدلَّة العلم، فالنَّاس بالنسبة للقِبْلة إمَّا مجتهدٌ يعرف كيف يستدلُّ بأدلَّتها، وإما مقلِّدٌ لا يعرف ولا يدري.
والمقلِّدُ فرضُه التَّقليد، ولكن سبق أنَّه لا بُدَّ أن يكون المُقَلِّد يخبر عن يقين على المذهب (١).
والصَّحيح: أنه يُقَلَّد؛ سواء أَخْبَرَ عن يقين أم عن اجتهاد.
وقوله:«فاختلفا جِهَةً»، أي: قال أحدُهما: إنَّ القِبْلة هنا؛ ويُشير إلى الشِّمال؛ والثَّاني يقول: القِبْلة هنا؛ ويشير إلى الجنوب، فلا يجوز أن يَتْبَعَ أحدُهما الآخر.
لأنَّ كُلَّ واحد منهما يعتقد خطأ الآخر، وهذا فيما إذا كان الاختلاف في جهتين.
أما إذا اختلفَا في جهةٍ واحدة؛ بأن اختلفا في الانحراف في جهة واحدة، فهنا لا بأس أن يَتْبَعَ أحدُهما الآخر، مثل: أن يتَّجِهَا إلى الجنوب لكن أحدهما يميل إلى الغرب، والآخر يميل إلى الشَّرق فلا يأس للذي يميل إلى الغرب أن يَتْبَع الذي يميل إلى الشَّرق، ويميل معه إلى الشَّرق أو العكس؛ لأن الانحراف في الجهة لا يضرُّ؛ ولا يُخِلُّ بالصَّلاة.