للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يَتْبَعْ أَحَدُهُمَا الآخَرَ .........

قوله: «لم يَتْبَع أحدُهُما الآخر»، المراد بالاتِّباع هنا في القِبْلة، فلا يجوز أن يَتْبَع أحدُهما الآخر؛ حتى ولو كان أعلمَ منه وأعرف، ما دام أنَّه خالفه، فإن كان المجتهدُ حين اجتهد؛ واجتهد الآخر الذي هو أعلمُ منه صار عنده تردُّد في اجتهاده، وغلبة ظنِّه في اجتهاد صاحبه. فعلى المذهب لا يتبعه؛ لأنهم يقولون: لا بُدَّ أن يكون خبر الثّقة عن يقين (١).

والصَّحيح: أنه يَتْبَعه؛ لأنَّه لمَّا تردَّدَ في اجتهاده بطل اجتهاده، ولمَّا غلب على ظَنِّه صحَّة اجتهاد صاحبه وجب عليه أن يَتْبَع ما هو أَحْرَى، وقد قال النبيُّ في حديث عبد الله بن مسعود في الشَّكِّ في عدد الرَّكعات: «فَلْيَتَحَرَّ الصَّواب، ثم لِيَبْنِ عليه» (٢)، وهذا دليل على أنَّ من كان عنده غلبة ظنٍّ في أمر من أمور العبادة فإنه يَتْبَع غلبة الظَّنِّ.

وهذا أيضاً له أصلٌ في الكتاب، قال الله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦]، وهذه استطاعته.

وقوله: «لم يَتْبَع أحدُهما الآخر» يشمل متابعة الائتمام، فلا يأتمُّ به؛ لأنَّ كُلَّ واحد منهما يعتقد أنَّ هذا أخطأ القِبْلة، فالإمام يرى أن القِبْلة جنوب، والمأموم يرى أن القِبْلة شمال؛ فيتَّجِه الإمامُ إلى الجنوب والمأموم إلى الشَّمال، فصار المأموم قد استدبر الإمام، فإذا ركع الإمامُ إلى الجنوب ركع المأموم إلى الشَّمال، وهذا تضادٌّ.


(١) انظر: «الإنصاف» (٣/ ٣٣٥، ٣٣٦).
(٢) رواه البخاري، كتاب الصلاة: باب التوجه نحو القبلة حيث كان، رقم (٤٠١)، ومسلم، كتاب المساجد: باب السهو في الصلاة، رقم (٥٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>