للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن الرد على هؤلاء أن نقول: إننا ما قلنا إلا ما دل عليه الدليل، والحديث صححه بعضهم وحسنه بعضهم، ولا شك أنه حجة فنحن نأخذ به، وهو قول عامة الأمة، ثم إن النظر يقتضيه؛ لأننا لو أخذنا بهذا الأمر، وفتحنا الباب لكان كل واحد يدعي هذا، لا يبقى طلاق على الأرض.

فالصواب: أنه يقع سواء كان جادّاً أو هازلاً، ثم إن قولنا بالوقوع فيه فائدة تربوية، وهي كبح جماح اللاعبين، فإذا علم الإنسان الذي يلعب بالطلاق وشبهه أنه مؤاخذ به فما يقدم عليه أبداً، والقول بأنه غير مؤاخذ به لا شك أنه يفتح باباً للناس، وتتخذ آيات الله هزواً.

فَإِنْ نَوَى بِطَالِقٍ مِنْ وَثَاقٍ، أَوْ فِي نِكَاحٍ سَابِقٍ مِنْهُ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ أَرَادَ طَاهِراً فَغَلِطَ لَمْ يُقْبَلْ حُكْمَاً، وَلَوْ سُئِلَ: أَطَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ؛ وَقَعَ، أَوْ أَلَكَ امْرَأَةٌ؟ فَقَالَ: لَا، وَأَرَادَ الكَذِبَ فَلَا.

قوله: «فإن نوى بطالق من وثاق» يعني إن نوى بكلمة «طالق» طالقاً من وثاق، فهل يقبل؟ يقول المؤلف: «لم يقبل حكماً» فإن قال لزوجته: أنت طالق، وقال: أنا ناوٍ طالقاً من وثاق، يعني ما قيدت يديك ورجليك، فنقول: اللفظ يحتمل ولكن لا يقبل حكماً؛ أي: عند المحاكمة، فإن رافعته وحاكمته ما يقبل؛ لأن ما يدعيه خلاف ظاهر لفظه؛ لأن القاضي إنما يحكم بالظاهر لقول النبي : «إنما أقضي بنحو ما أسمع» (١)، فإذا لم تحاكمه وصدقته ووكلت الأمر إلى دينه فهي زوجته، وأما فيما بينه وبين الله فإنه يقبل.


(١) أخرجه البخاري في الأحكام/ باب موعظة الإمام الخصوم (٧١٦٩)، ومسلم في الأقضية/ باب بيان أن حكم الحاكم لا يغير الباطن (١٧١٣) عن أم سلمة .

<<  <  ج: ص:  >  >>