فارق مكان الحادث ـ يبعد جداً أن يفتري الكذب في شهادته، ومثل هذا ـ أيضاً ـ يمكن للقاضي أن يخوفه، فيقول: إذا شهدت شهادة زور فإنك تصاب بعذاب، وحينئذٍ يرتدع، فإذاً نقول: الأصل أن شهادة الصبيان فيما لا يطلع عليها إلا الصبيان غالباً مقبولة ما لم يتفرقوا، فإن تفرقوا كان ذلك محل نظر، قد تقوم القرينة بصدق شهادتهم، وقد تقوم القرينة بعدم صدق الشهادة، وقد تكون الحال احتمالاً بدون ترجيح.
قوله:«الثاني: العقل» أي: الشرط الثاني: العقل، وهو مصدر عقل يعقل عقلاً، وعقل الشيء بمعنى حبسه وحجره حتى لا ينطلق، ومنه عقال الناقة؛ لأنه يعقلها، ومنها العقال الذي يوضع على الرأس، والعقل نوعان: عقل إدراك، وهو ما يحصل به التمييز بين الأشياء، وقد سبق لنا أنه غريزة ومكتسب، وعقل رشد، وهو ما يكون به حسن التصرف، فما هو العقل الذي نفاه الله ﷾ عن المشركين، أهو عقل الإدراك، أم عقل الرشد؟ الجواب: عقل الرشد، أما عقل الإدراك فإنهم عقلاء من حيث الإدراك، ولهذا يطالبون بالإسلام وتقوم عليهم الحجة، ولو كانوا مجانين لم تقم عليهم الحجة.
والعقل هنا هل المراد به عقل الإدراك، أو عقل الرشد؟ المراد به هنا عقل الإدراك، ولهذا تقبل شهادة الإنسان ولو كان سفيهاً، وإنما اشترط العقل في الشهادة؛ لأنه لا يمكن إدراك الأشياء حفظاً، ولا إنهاء إلا بالعقل؛ لأنه هو الذي يحصل به الميز، وضده الجنون والعته؛ ولهذا قال: