قوله:«ثم من يختارُهُ الجِيْرَان»، أي: أهل الحيِّ، وإذا تَعَذَّر إجماع الجيران على اختياره أخذنا بقول الأكثر؛ لأنَّه قَلَّ أن تجد رجلاً يُجْمِعُ النَّاسُ عليه.
وظاهر كلام المؤلِّف: أنه لا اعتبار في اختيار الجهة المسؤولة عن المساجد، لأنَّ الأذان لأهل الحيِّ فهم المسؤولون، ولكن هذا فيه نظر، بل نقول: المسؤول عن شؤون المساجد لا بُدَّ أن يكون له نوع اختيار، لأنَّه هو المسؤول، ولهذا عندما يحصُل إخلال من المؤذِّن يُرجع إلى المسؤول عن شؤون المساجد. ولعل المساجد في زمن المؤلِّف وما قبله ليس لها مسؤول خاصٌّ.
قوله:«ثم قُرْعَةٌ»، هذا إذا تعادلت جميع الصِّفات، ولم يُرجِّح الجيران، أو تعادل التَّرجيح، فحينئذ نرجع إلى القُرْعة؛ لأنَّه يحصُل بها تَمييز المشتبه وتَبْيين المجمل عند تساوي الحقوق، وقد جاءت القُرْعَة في القرآن والسُّنَّة ففي القرآن قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [آل عمران: ٤٤]، وقال: ﴿وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ *إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ *فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ *﴾ [الصافات]
أما السُّنّة: فوردت في عِدَّةِ أحاديث منها: قوله ﷺ: «لو يعلمُ النَّاس ما في النداء ـ يعني الأذان ـ والصَّفِّ الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا»(١). وقالت عائشة
(١) رواه البخاري، كتاب الأذان: باب أذان الأعمى … ، رقم (٦١٧)، ومسلم، كتاب الصلاة: باب تسوية الصفوف وإقامتها، رقم (٤٣٧).