للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يحصل بينهما تقابض كان ربا، وإذا أقرضه درهماً وبعد شهر أعطاه إياه لم يكن ربا، مع أن الصورة صورة ربا ولا يختلف إلا بالقصد، ولما كان المقصود بالقرض الإرفاق والإحسان صار جائزاً.

وأما حكمه فيقول المؤلف:

وَهُوَ مَنْدُوبٌ، وَمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ صَحَّ قَرْضُهُ إلاَّ بَنِي آدَمَ وَيُمْلَكُ بِقَبْضِهِ فَلَا يَلْزَمُ رَدُّ عَيْنِهِ بَلْ يَثبتُ بِدَلُهُ فِي ذِمَّتِهِ حَالًّا وَلَوْ أجَّلَهُ فَإِنْ رَدَّهُ المُقْتَرِضُ لَزِمَ قَبُولُهُ،

«وهو مندوب» فهذا بالنسبة للمقرض، أما بالنسبة للمستقرض فهو مباح، ولا يقال: إن هذا من المسألة المذمومة، فهنا طرفان: مقرض ومستقرض، المقرض: القرض في حقه مندوب، أي: مستحب؛ وذلك لأنه من الإحسان فيدخل في عموم قول الله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ١٩٥]، ومن حيث المعنى فإن فيه دفع حاجة أخيك المسلم، وربما يكون القرض أحياناً أكثر ثواباً من الصدقة؛ لأنه لا يستقرض إلا محتاج في الغالب، والصدقة أفضل من جهة أنها لا تشغل الذمة، فإذا أعطيته لم يكن في ذمته شيء.

ويجب القرض أحياناً فيما إذا كان المقترض مضطراً لا تندفع ضرورته إلا بالقرض، ولكن لا يجب إلا على من كان قادراً عليه من غير ضرر عليه في مؤونته ولا مؤونة عياله.

كما أنه يكون أحياناً حراماً إذا كان المقترض اقترض لعمل محرم لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: ٢] ولكنه من حيث الأصل هو بالنسبة للمقرض مندوب؛ لأنه من الإحسان.

وأما بالنسبة للمستقرض فإنه مباح، ولا يقال: إنه من المسألة المذمومة، وقد ثبت عن النبي أنه استقرض (١).


(١) من ذلك ما رواه مسلم في البيوع/ باب جواز اقتراض الحيوان … (١٦٠٠) عن أبي رافع : «أن رسول الله استسلف من رجل بَكراً فقدمت عليه إبل من الصدقة، فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بكره، فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خياراً رَباعياً، فقال: أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاءً».

<<  <  ج: ص:  >  >>