القصاص فيما دون النفس، فإذا كان يوجب القود تحتم استيفاؤه، مثل: أن يقطعوا من مفصل، فإذا قطعوا اليد من مفصل فيجب القصاص، أي: يثبت، فهنا يتحتم استيفاؤه، فلو عفا المجني عليه لم يصح عفوه، والدليل: قالوا: قياساً على القتل، فإن القتل يتحتم استيفاؤه، كذلك القصاص فيما دون النفس يتحتم استيفاؤه.
وهذا الذي مشى عليه المؤلف خلاف المذهب، فالمذهب أنهم إذا جنوا بما يوجب قوداً في الطرف فإنه لا يتحتم استيفاؤه، ويكون الخيار للمجني عليه؛ لعموم قوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥]، فجعل للإنسان أن يتصدق بهذه الجناية ولا يقتص منها، وقالوا: إن القتل ورد به النص ﴿أَنْ يُقَتَّلُوا﴾ وهنا القتل منتفٍ، فيبقى على حكم الأصل التخيير، فيخير المجني عليه بين القصاص، وبين العفو مجاناً، وبين الدية.
قوله:«وَإِنْ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ المَالِ قَدْرَ مَا يُقْطَعُ بِأَخْذِهِ السَّارِقُ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ يَدُهُ اليُمْنَى وَرِجْلُهُ اليُسْرىَ» إن أخذ كل واحد منهم من المال قدر ما يقطع به السارق، وهو على المذهب ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، أو عرض قيمته كأحدهما، والقول الثاني: أن النصاب ربع دينار؛ لحديث عائشة ﵂:«لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً»(١)، وهذا هو الصحيح، فإذا أخذوا مالاً يبلغ نصاب قطع السرقة فإنهم تقطع أيديهم لأخذ المال، وأرجلهم لقطع الطريق؛ لأنهم يأخذون باليد ويمشون بالرِّجل.