واعلم أن كل فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، فإن لم يوجد إلا واحد صار في حقه فرض عين.
وقول المؤلف:«دفنه فرض كفاية»، وما يتوقف عليه الدفن فرض كفاية أيضاً، وكذلك ما تتوقف الصلاة عليه فرض كفاية، فحمله من بيته إلى المصلى فرض كفاية، وحمله من المصلى إلى المقبرة فرض كفاية؛ لأن (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).
فإذا قال قائل: إذا كانت هذه الأشياء تحتاج إلى مال، فمن أين يؤخذ هذا المال، فالغسل ـ مثلاً ـ يحتاج إلى مال، والكفن يحتاج إلى مال، والدفن يحتاج إلى مال، والحمل قد يحتاج إلى مال؟
فالجواب: أنه يكون أولاً من تركة الميت، ثم على من تلزمه نفقته، فإن لم يمكن فعلى عموم المسلمين؛ لأنه فرض كفاية.
قوله:«وأولى الناس بغسله وصيه»، أي: لو تنازع الناس فيمن يغسل هذا الميت؟
قلنا: أولى الناس بغسله وصيه، أي: الذي أوصى أن يغسله.
واستفدنا من قول المؤلف:«وصيه» أنه يجوز للميت أن يوصي ألاَّ يغسله إلا فلان، والميت قد يوصي بذلك لسبب، مثل: أن يكون هذا الوصي تقياً يستر ما يراه من مكروه، أو أن يكون عالماً بأحكام الغسل، أو أن يكون رفيقاً؛ لأن بعض الذين يغسلون الأموات يعاملونهم بشدة عند نزع ثيابهم، وكأنما يسلخون جلد شاة مذبوحة ـ نسأل الله العافية ـ، فيوصي لشخص معين، فإذا كان الميت قد أوصى لشخص معين بأن يغسله، فهو أولى الناس بتغسيله، فإن لم يوص فسيذكره المؤلف.