وأمَّا إذا لم يكن عليه دين، والورثة كلهم مرشدون، فإنه يجب علينا أن نتعقل وننظر، هل هذا الرجل من المتهورين الذين لا يبالون، والذين يُذكر عنهم أنهم يقولون: نحن لا نبالي، الدية في دُرْج السيارة!! فمثل هذا لا يقابل بالعفو، بل ينبغي أن يقابل بالشدة؛ حتى يكون رادعاً له، ولأمثاله من المتهورين.
ودليل المؤلف على أن العفو أفضل، قوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [البقرة: ٢٣٧]، وقوله في وصف المتقين: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ [آل عمران: ١٣٤]، ولكنا نقول: إن الله تعالى يقول: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ فإذا كان في العفو مخالفة للتقوى، فكيف يكون أقرب للتقوى؟! وقوله تعالى: ﴿وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ أعقبه تعالى بقوله: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ فإذا لم يكن العفو إحساناً فإن صاحبه لا يمدح.
قوله:«فإن اختار القود أو عفا عن الدية فقط» دون القصاص «فله أخذها» أي: إن اختار القود فله أخذ الدية، وإن اختار الدية فليس له القود ـ أي: القصاص ـ مثاله: قيل لولي المقتول: أنت بالخيار، إن شئت فاقتص، وإن شئت فخذ الدية، فقال: أريد القصاص، ثم بعدئذٍ فكّر، وقال: أنا لن أستفيد من قتله، فرجع إلينا، وقال: أريد الدية، فله ذلك؛ لأنه نزل من الأشد إلى الأخف.
لكن لو قال الجاني: أنا لا أقبل تنازله، والقصاص أحب إلي، فظاهر كلام المؤلف أنه ليس له ذلك، وأن الخيار بيد أولياء المقتول.