وقال بعض أهل العلم: بل له ذلك، لأنه أعلم بنفسه، وهذا رجل اختار القصاص، فإذا رجع إلى الدية فليس له أن يرجع إلاّ برضا الجاني، والجاني قد يختار القصاص على الدية؛ وذلك بأن يكون رجلاً بائساً، قد ملَّ من الدنيا وأتعبته، ويقول: لعلي إن قُتِلْتُ قصاصاً أن أستريح، كما يسأل بعضهم ويقول: أنا سئمت من الدنيا، ومللت منها وتعبتُ، ودائماً في قلق، وأرغب أن أذهب إلى جبهة القتال؛ لأجاهد فأُقْتَل، فهل أنال أجر الشهداء؟
الجواب: لا، بل هذا حرام عليه، أن يذهب للجهاد من أجل أن يقتل.
فقد يختار الجاني القصاص على الدية لمثل هذه الأمور، لكن مذهبنا خلاف مذهب مالك ﵀ الذي يقول: إنه ليس له أن يرجع، فمذهبنا أن له الرجوع؛ لأنه نزول من الأشد إلى الأخف.
وقوله:«أو عفا عن الدية فقط» يعني أنه لمّا خُيِّر قال: أنا عفوت عن الدية، فهذا لا يكون عفواً عن القصاص؛ لأن عندنا شيئين، فإذا عفي عن أحدهما تعين الثاني، كما لو عفا عن القصاص فله الدية، فإذا عفا عن الدية فله القصاص.
قوله:«والصلح على أكثر منها» أي: أنه إذا اختار القصاص، ثم إن القاتل وأهله قالوا لولي المقتول: لا تقتله، ونحن نعطيك بدل الدية ديتين، أو ثلاث ديات، أو أربعاً، أو عشراً، أو ما أردت، فهذا جائز؛ لأنه لما اختار القصاص تعين له، فله أن يبيعه بما شاء.