ولكن من حُزْنِهِ على فراق هذا الميِّت، فإذا بان حرفان مِن انتحابه بطلت صلاتُه. هذا ما قرَّره المؤلِّف.
والصحيح: أنه إذا غلبه البكاء حتى انتحب لا تبطل صلاتُه؛ لأن هذا بغير اختياره، سواء كان مِن غير خشية الله كما سَبَقَ، أم من خشية الله، أي: شدَّة خوفه مِن الله ﷿، أو من محبَّة الله وشدَّة شوقه إلى الله؛ لأن البكاء قد يكون خشية لله، وقد يكون شوقاً إلى الله ﷿، فكما يكون للقلب تأثر عند ذِكْرِ ثواب المتقين فيبكي شوقاً إلى هذا النَّعيم، كذلك يكون عند ذِكْرِ الكافرين وعقابهم، فيبكي خوفاً مِن هذا العذاب.
قوله:«أو تنحنح من غير حاجة فبان حرفان» فإن صلاته تبطل.
والحاجة للتنحنح، إما أن تكون قاصرة، أو متعدِّية: فإذا أحسَّ الإِنسانُ بحَلْقِهِ انسداداً، فإنه يتنحنح مِن أجل إزالة هذا الانسداد، فهذا لحاجة قاصرة.
والتَّنحنحُ لحاجةٍ متعدِّيةٍ مثل: إذا استأذن عليه شخص وأراد أن يُنبِّهه على أنه يُصلِّي، أو ما أشبه ذلك، فهذه حاجة متعدِّية فلا تبطل الصَّلاة بذلك، لأنَّها لحاجة، فإنْ كان لغير حاجة فإنها تبطل الصلاة بشرط أن يبين حرفان.
والقول الراجح: أن الصَّلاة لا تبطل بذلك، ولو بَانَ حرفان؛ لأن ذلك ليس بكلام، والنبيُّ ﷺ إنما حَرَّم الكلام. اللَّهُمَّ إلا أن يقع ذلك على سبيل اللعب، فإن الصلاة تبطل به؛ لمنافاته الصلاة فيكون كالقهقهة.