للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على وجه التعبُّد بالتكرار لا شَكَّ أنه قد أتى مكروهاً؛ لأنه لو كان هذا مِن الخير لفَعَلَهُ النبيُّ ، لكن إذا كرَّر الفاتحةَ لا على سبيل التعبُّد، بل لفوات وصف مستحبّ؟ فالظَّاهرُ الجواز، مثل: أن يكرِّرها لأنه نسيَ فقرأها سِرًّا في حال يُشرع فيها الجهرُ، كما يقعُ لبعض الأئمة ينسى فيقرأ الفاتحةَ سِرًّا، فهنا نقول: لا بأس أن يُعيدها من الأول استدراكاً لما فات من مشروعية الجهر، وكذلك لو قرأها في غير استحضار، وأراد أن يكرِّرها ليحضر قلبه في القراءة التالية؛ فإن هذا تكرار لشيء مقصود شرعاً، وهو حضور القلب، لكن إن خشيَ أن ينفتح عليه باب الوسواس فلا يفعل، لأن البعض إذا انفتحَ له هذا البابُ انفتح له باب الوسواس الكثير، وصار إذا قرأها وقد غَفَلَ في آية واحدة منها رَدَّها، وإذا رَدَّها وغَفَلَ رَدَّها ثانية، وثالثة، ورابعة، حتى ربما إذا شدَّد على نفسه شَدَّد الله عليه، وربَّما غَفَلَ في أول مرَّة عن آية، ثم في الثانية يغفُلُ عن آيتين، أو ثلاث.

لَا جَمْعُ سُوَرٍ فِي فَرْضٍ كَنَفْلٍ.

قوله: «لا جمعُ سور في فرض كنفل» أي: لا يُكره جَمْعُ السُّور في الفرض. كما لا يُكره في النَّفل، يعني: أن يقرأ سورتين فأكثر بعد الفاتحة.

والدليل: حديث حُذيفة بن اليمان أنه صَلَّى مع النبيِّ ذات ليلةٍ فقرأ النبيُّ سورة «البقرة» و «النساء»، و «آل عمران» (١) وهذا جمعٌ بين السُّور في النَّفل، وما جاز في النَّفل جاز في الفرض إلا بدليل، وما جاز في الفرض وَجَبَ في النَّفْل إلا بدليل، لأن الأصل تساويهما في الحُكم.


(١) تقدم تخريجه ص (٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>