فالجواب: بلى، إذن يمكن للإنسان أن يشهد لعدوه بقصد دفع شره، لهذا لا تقبل لعدوه ولا على عدوه.
ولكن على كل حال هذا التعليل وإن كان مليحاً، لكن فيه شيء من النظر؛ لأننا نقول: احتمال أن يشهد لعدوه من باب المحاباة ودفع الضرر هذا شيء بعيد، وإن كان يقع، والأشياء والاحتمالات العقلية لا تأتي في مثل المسائل العلمية والعملية، فلو أردنا أن نأتي بالاحتمالات العقلية كنا نقول: حتى الشهود العدول الذين ليس فيهم موانع يمكن أن يخطئوا، يمكن أن ينسوا، يمكن أن تحدث عداوة بينهم وبين المشهود عليه.
ولو شهد الصديق لصديقه هل تقبل؟ إن قلنا: لا تقبل شهادة الصديق لصديقه، قلنا للناس: لا يكن بعضكم صديقاً لبعض؛ لأن الصديق لا تقبل شهادته لصديقه! وهذا مشكل؛ لأن معناه أننا نحث الناس على ألا يتصادقوا، وهذا لا يمكن أن يقوله قائل؛ ولذلك ذهب بعض العلماء، ومنهم ابن عقيل من أصحاب الإمام أحمد ﵀ إلى أنه إذا كانت الصداقة صداقة قوية تصل إلى حد العشق أو ما أشبه ذلك، فإنها لا تقبل شهادته له، قياساً عكسياً على شهادة العدو على عدوه، فالعدو مع عدوه ليس بينهما صلة، والصديق الحميم الشديد الصداقة بينه وبين صديقه صلة قوية؛ لأن بعض الناس مع صديقه ينسى كل شيء، ولا يبالي أن يشهد له بالباطل ولا يهمه، لا سيما إذا وصل الأمر إلى حد العشق، وهذا القياس قوي جداً، أما مطلق الصداقة السائدة بين الناس فلا شك أنها ليست بمانع.