وبين يديه نورٌ فإنك تنتفع به، أمَّا في الآخرة فلا.
وفي الآخرة أيضاً يَعْرَقُ النَّاسُ، فيختلف العَرَقُ اختلافاً عظيماً بينهم؛ وهم في مكانٍ واحد، فمِن النَّاسِ مَن يَصِلُ العَرَقُ إلى كعبيه، ومنهم مَن يَصِلُ إلى ركبتيه، ومنهم مَن يَصِلُ إلى حقويه، ومنهم مَنْ يُلجمُه العَرَقُ.
فلا يجوز أن نقيسَ أحوالَ الآخرة بأحوال الدُّنيا، ثم نذهب ونُحدِث أشياء لم تأتِ في الكتاب والسُّنَّة، كتقسيم النَّار إلى نارين: نار للعصاة، ونار للكافرين. فالذي بلغنا ووصل إليه عِلمُنا أنها نارٌ واحدة لكنها تختلف.
الوجه الخامس: أين مكان وجودها؟
الجواب: مكانها في الأرض، ولكن قال بعضُ أهل العِلْم: إنَّها البحار. وقال آخرون: بل هي في باطن الأرض. والذي يظهر: أنَّها في الأرض، ولكن لا ندري أين هي مِن الأرض على وَجْهِ التعيين.
والدَّليل على أنَّ النَّارَ في الأرض:
قول الله تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ *﴾ [المطففين: ٧] وسِجِّين الأرض السُّفلى كما جاء في حديث البَراءِ بن عَازبٍ فيمن احتُضِرَ وقُبِضَ مِن الكافرين، أنَّها لا تُفتَّحُ لهم أبوابُ السَّماءِ، ويقول الله تعالى:«اكتبوا كتابَ عبدي في سِجِّين في الأرض السُّفلى، وأعيدوه إلى الأرض»(١) ولو كانت النَّارُ
(١) أخرجه الإمام أحمد (٤/ ٢٨٧، ٢٩٥)؛ وأبو داود، كتاب السُّنة، باب المسألة في القبر وعذاب القبر (٤٧٥٣)؛ والحاكم (١/ ٣٧) وقال: «صحيح على شرط مسلم» ووافقه الذهبي؛ وصححه ابن القيم في «تهذيب السنن» (٤/ ٣٣٧).