للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستدلُّوا لذلك: بأن النبيَّ لمَّا قال له ذو اليدين: «بلى قد نسيتَ … قال: أكما يقول ذو اليدين؟» (١) وهذا كلامٌ يُخاطب به الآدميين؛ لكنه كلام لمصلحة الصَّلاة.

القول الثاني: أن الصَّلاةَ تبطل إذا تكلَّم؛ لعموم قول النبيِّ : «إنَّ هذه الصَّلاةَ لا يصلحُ فيها شيءٌ مِن كلامِ النَّاسِ» (٢)، ولأن النبيَّ أمرنا بالتَّسبيحِ (٣) ولو كان الخطابُ لمصلحة الصَّلاةِ لا يضرُّ لكان يأمر به؛ لأنه أقربُ إلى الفهم وحصول المقصود من التسبيح، فلما عَدَلَ عنه عُلِمَ أن ذلك ليس بجائز؛ لأن المصلحةَ تقتضيه لولا أنه ممتنع، ولا شَكَّ أن هذا الدليل قويٌّ، وأنَّ الصَّلاةَ تبطلُ إذا نبَّه بالكلام، ولكن نحتاج إلى الجواب عما استدلَّ به القائلون بأن الصَّلاةَ لا تبطل؛ لأن الكلام لمصلحة الصَّلاةِ.

والجواب عن ذلك: أن النبيَّ حين تكلَّم لم يكن يعلم أنه في صلاة، بل كان يظنُّ أنَّ الصَّلاةَ تمَّت، ولهذا قال: «لم أنسَ ولم تُقصرْ» ولما قالوا: صدق ذو اليدين، أو قالوا: نعم، لم يتكلَّم بعدُ، بل تقدَّم وصَلَّى ما تَرَكَ. وفَرْقٌ بين شخص يعلَمُ أنه في صلاة، ولكن يتكلَّم لمصلحة الصَّلاةِ، وشخص لم يتيقَّن أنه في صلاة، بل كان ظنُّه أنه ليس في صلاة، وأنَّ صلاتَه تمَّت، وحينئذٍ فلا يتمُّ الاستدلال بهذا الحديث.


(١) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره (٤٨٢)؛ ومسلم، كتاب المساجد، باب السهو في الصلاة والسجود له (٥٧٣) (٩٧).
(٢) تقدم تخريجه ص (٨٥).
(٣) تقدم تخريجه ص (٢٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>