للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولهذا احتجَّ بهذه الفِطرةِ الضَّروريةِ الهَمَذانيُّ على أبي المعالي الجُوَيني، فقد كان أبو المعالي الجُوينيُّ يقول: كان اللهُ ولم يكن شيءٌ غيرُه، وهو الآن على ما كان عليه. يريد بذلك أن يُنكرَ استواءَ اللهِ على العرش.

فقال له أبو جعفر الهَمَذانيُّ : يا شيخُ، دعنا من ذِكْرِ العرش ـ لأن استواء الله على العرش دليله سَمْعِيٌّ، لولا أن الله أخبرنا بذلك ما أثبتناه ـ فما تقول في هذه الضَّرورة؛ ما قال عارف قطُّ: «يا اللهُ» إلا وَجَدَ مِنْ قلبه ضرورةً بطلب العُلوِّ؟ فجعل أبو المعالي يضرِبُ على رأسه، ويقول: «حَيَّرني حَيَّرني» (١). ما لقي جواباً على هذا لأن هذا دليلٌ فِطريٌّ.

حتى إنَّ الحيوان مفطورٌ على ذلك؛ كما يُروى في قِصَّة سليمان حين خَرَجَ يستسقي، وإذا بنَمْلَةٍ مستلقيةٍ على ظهرها؛ رافعةٍ قوائمَها نحوَ السماءِ تقول: اللَّهُمَّ إنَّا خَلْقٌ مِنْ خَلْقِكِ، ليس بنا غِنًى عن رِزْقِكِ، فقال: ارْجِعُوا فقد سُقيتُم بدعوةِ غيرِكم (٢)، وسُقوا بدعوة هذه النَّملة.

فهذه النَّملةُ مَنِ الذي أعلمها أنَّ الله في السَّماء؟

فطرتُها التي فَطَرَ اللهُ عليها الخَلْقَ دلَّتها على أنَّ اللهَ في السَّماء.

والعجب: أنَّه مع ظهور هذه الأدلَّةِ؛ فقد أعمى اللهُ عنها


(١) انظر: «سير أعلام النبلاء» للذهبي (١٨/ ٤٧٧).
(٢) أخرجه الدارقطني (٢/ ٦٦)؛ والحاكم (١/ ٣٢٥ ـ ٣٢٦) وقال: «صحيح الإسناد» ووافقه الذهبي. وانظر: «إرواء الغليل» (١/ ٦٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>