للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الليل، فلا يُوتر مع الإمام؛ لأنه لو أوتر مع الإِمام خالف أمرَ النَّبيِّ في قوله: «اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وِتراً» (١)، وعلى هذا يوتر بعد تهجُّده، فإذا قام الإمام ليوتر ينصرف هو، ولا يوتر معه، هذا ما ذهب إليه المؤلِّفُ .

وقال بعض العلماء: بل يوتر مع الإمام ولا يتهجَّد بعده؛ لأن الصَّحابة لما طلبوا من النبيِّ أن ينفِّلَهم بقيَّة ليلتهم قال: «مَنْ قامَ مع الإمام حتى ينصرفَ كُتب له قيامُ ليلةٍ» (٢) وفي هذا إشارة إلى أن الأَولى الاقتصار على الصلاة مع الإمام؛ لأنه لم يرشدهم إلى أن يدعوا الوتر مع الإمام، ويصلُّوا بعده في آخر الليل؛ وذلك لأنه يحصُل له قيام الليل كأنه قامه فعلاً، فيكتب له أجر العمل مع راحته، وهذه نِعمة.

قوله: «فإن تبع إمامه شفعه بركعة» يعني: إذا تابع المتهجِّدُ إمامه فصلَّى معه الوتر أتمّه شفعاً، فأضاف إليه ركعة، وهذا هو الطريق الآخر للمتهجِّد؛ فيتابعُ إمامَهُ في الوِتر، ويشفعه بركعة؛ لتكون آخر صلاته بالليل وِتراً. فإذاً يتابع الإمام، فإذا سَلَّم الإمام من الوتر قام فأتى بركعة وسَلَّم، فيكون صَلَّى ركعتين، أي: لم يُوتر، فإذا تهجَّد في آخر الليل أوتر بعد التهجُّد، فيحصُل له في هذا العمل متابعة الإمام حتى ينصرف، ويحصُل له أيضاً أن يجعل آخر صلاته بالليل وِتراً، وهذا عمل طيب.

فإن قال قائل: مِن أين لكم أنَّه يجوزُ أنْ يخالفَ المأمومُ إمامَه بالزِّيادة على ما صَلَّى إمامُه، وقد قال النبيُّ : «إنما جُعِلَ الإمامُ ليُؤتمَّ به» (٣)؟

قلنا: دليلنا على هذا: أنَّ رسولَ الله لمَّا كان يُصلِّي بأهل مَكَّة في غزوة الفتح كان يُصلِّي بهم ركعتين، ويقول: «يا أهلَ مكَّةَ، أتِمُّوا، فإنَّا قومٌ سَفْرٌ» (٤) فكانوا ينوون الأربع وهو ينوي ركعتين، فإذا سَلَّم مِنَ الرَّكعتين قاموا فأكملوا، وهذا الذي دَخَلَ مع إمامِهِ في الوِتر لم ينوِ الوِتر، وإنما نوى الشَّفعَ، فإذا سَلَّمَ


(١) تقدم تخريجه ص (٨).
(٢) تقدم تخريجه ص (٥٤).
(٣) تقدم تخريجه ص (٦١).
(٤) أخرجه أبو داود الطيالسي (٥٨٦)؛ وابن أبي شيبة، كتاب الصلوات، باب من كان يقصر الصلاة (٢/ ٤٥٠)؛ والإمام أحمد (٤/ ٤٣٠، ٤٣١، ٤٣٢، ٤٤٠)؛ وأبو داود، كتاب الصلاة، باب متى يتم المسافر (١٢٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>