للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي بكرٍ، فتقدَّمَ حتى جَلَسَ عن يسارِ أبي بكرٍ، فجعل يُصلِّي بهم قاعداً وهم قيام، هم يَقتدون بأبي بكرٍ، وأبو بكر يقتدي بصلاةِ النَّبيِّ ؛ لأنَّ صوتَه كان ضعيفاً لا يُسْمِعُ النَّاسَ، فكان أبو بكر يَسمَعُهُ؛ لأنه إلى جَنْبِهِ، فيرفعُ أبو بكرٍ صوتَه فيقتدي النَّاسُ بصلاةِ أبي بكرٍ (١).

قالوا: وهذا في آخرِ حياتِهِ، فيكون ناسخاً لقولِ النَّبيِّ : «إذا صَلَّى قاعداً فصلُّوا قعوداً أجمعون» (٢). وناسخاً لإِشارته إلى أصحابه: «حين صلّى قاعداً فصلُّوا خلفَه قياماً فأشارَ إليهم أنِ اجلسوا» (٣) لأنَّه مِن المعروفِ أن المتأخِّرَ مِن سُنَّةِ الرَّسولِ ينسخُ المتقدِّمَ.

٢ ـ أنَّ القيامَ رُكنٌ على القادرِ عليه، وهؤلاء قادرون على القيامِ فيكون القيامُ في حقِّهم رُكناً.

ولكننا نقولُ: إنَّ هذا القولَ ضعيفٌ؛ وذلك لأنه لا يجوز الرجوعُ إلى النَّسخِ إلا عند تعذُّرِ الجمعِ، فإنَّ مِن المعلومِ عند أهلِ العِلمِ أنَّه يُشترط للنسخِ شرطان:

الشرط الأول: العلم بتأخُّرِ النَّاسخِ.

الشرط الثاني: أنْ لا يمكن الجمعُ بينَه وبين ما ادُّعِيَ أنه منسوخٌ.

وذلك أنك إذا قلتَ بالنَّسخِ ألغيتَ أحدَ الدَّليلينِ، وأبطلتَ حُكمَه. وإلغاءُ الدَّليلِ ليس بالأمرِ الهيِّنِ حتى نقولَ كلما أعيانا الجمعُ: هذا منسوخٌ. فهذا لا يجوز.


(١) أخرجه البخاري، الموضع السابق (٦٨٧)؛ ومسلم، الموضع السابق (٤١٨) (٩٠).
(٢) تقدم تخريجه ص (٢٣٠).
(٣) تقدم تخريجه ص (٢٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>