للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهبَ أكثرُ أهلِ العِلمِ ـ وهو رواية عن أحمد ـ: إلى صِحَّة الصَّلاةِ منفرداً خلفَ الصَّفِّ، لعُذرٍ أو لغيرِ عُذر، ولو كان في الصَّفِّ سَعَةٌ.

وقال بعضُ العلماءِ: في ذلك تفصيلٌ، فإنْ كان لعذرٍ صَحَّت الصَّلاةُ، وإنْ لم يكن لعُذر لم تَصِحَّ الصَّلاةُ.

واستدلَّ الجمهورُ: بأن هذا المصلِّي صلَّى مع الجماعةِ، وفَعَلَ ما أُمِرَ به، وقد قال النَّبيُّ : «إنَّمَا جُعِلَ الإِمامُ ليؤتمَّ به» (١) وقد ائتم بإمامِه فكبَّر حين كبّر .. إلخ.

ولأنَّ ابنَ عبَّاسٍ لما أداره الرَّسولُ عن يمينِهِ انفردَ بجُزءٍ يسيرٍ، والمُفسدُ للصَّلاةِ يستوي فيه الكثيرُ والقليلُ كالحَدَثِ فلو كان الانفرادُ مبطلاً لبطلت صلاةُ ابنِ عبَّاسٍ.

وأجابوا عن حديث: «لا صلاةَ لمُنْفَرِدٍ خلفَ الصَّفِّ» (٢) أنَّ هذا النَّفْيَ نَفْيٌ للكمالِ كقوله: «لا صلاةَ بحضرةِ طعامٍ ولا وهو يدافِعُه الأخبثان» (٣)، ومعلومٌ أنَّ الإِنسانَ لو صَلَّى بحضرةِ طعامٍ فصلاتُه صحيحةٌ، ولو صَلَّى وهو يدافعُ الأخبثين ـ البولَ والغائطَ ـ فصلاتُه صحيحةٌ.

وأما ما وَرَدَ أنَّ النَّبيَّ «رأى رَجُلاً يصلِّي خلفَ الصَّفِّ فأمرَه أنْ يعيدَ الصَّلاةَ» (٤)، فأجابوا عنه بأن هذا الحديثَ في صحَّته نَظَرٌ، وإذا صَحَّ فلعلَّ هناك شيئاً أوجب أنْ يأمرَه النَّبيُّ بإعادةِ الصَّلاةِ، وهذه قضيَّةُ عَينٍ لا نجزِمُ بأن السَّبَبَ هو كونه صَلَّى خلفَ الصَّفِّ.


(١) تقدم تخريجه (٢٠٥).
(٢) تقدم تخريجه ص (٢٦٨).
(٣) تقدم تخريجه (٣/ ٢٣٥).
(٤) تقدم تخريجه ص (٢٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>