للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا وَجَدَ فُرجةً قد تهيَّأ لها شخصٌ ليدخلَها، فظاهرُ كلامِ المؤلِّفِ أنه يدخلُها، ويكون التفريط مِن المتخلِّفِ عنها، وهذا يقعُ كثيراً فتأتي مثلاً فتجدُ في الصَّفِّ الأول فُرجةً؛ لكن خلفَها شخصٌ يتنفَّلُ وتنفُّلُه خلفَها يقتضي أنه متهيِّئٌ لدخولِها فلك أن تتقدَّمَ فيها.

لأننا نقول: لماذا لم يتقدَّم ويُصَلِّ فيها، فهو الذي فرَّطَ في هذا المكان؟ وهذا الذي هو ظاهرُ كلامِ المؤلِّفِ حَقٌّ لا شَكَّ فيه، وأنك تدخلُ في الفُرجةِ، ولو رأيت مَن يصلِّي خلفَها يريد الدخولَ فيها؛ لأنَّه هو الذي فوَّت المكانَ الفاضلَ على نفسِه والنَّبيُّ يقول: «لو يعلمُ النَّاسُ ما في النِّداءِ والصَّفِّ الأولِ ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا» (١)، ولكن إذا خشيتَ فِتنةً أو عداوةً أو بغضاءً فاتركها، فإن الجماعةَ إنما شُرعت لمصالحَ عظيمةٍ؛ منها الائتلافُ والتَّوادُّ والتَّحابُ بين المسلمين، وإذا عَلِمَ الله مِن نيَّتِك أنَّه لولا خَوفِ هذه المفسدة لتقدَّمتَ إلى هذا المكان الفاضلِ فإنه قد يُثيبك لحُسْنِ نيَّتِكَ.

والدليل على أنَّه يدخُلُها هو أَمْرُ الرَّسولِ بالتَّراصِّ (٢)، فإنَّ أمرَه بالتَّراصِّ يستلزمُ سَدَّ الفُرَجِ، ورُويَ عن النَّبيِّ أنَّ مَن وَصَلَ صفًّا وَصَلَه اللهُ (٣)، «وأنَّ اللهَ وملائكتَه يُصلُّون على الذين يَصِلون الصفوفَ» (٤).


(١) تقدم تخريجه (٣/ ١٢).
(٢) تقدم تخريجه ص (٩).
(٣) تقدم تخريجه (٣/ ١٥) حاشية (٣).
(٤) أخرجه الإمام أحمد (١٦٠١٦)؛ والحاكم (١/ ٢١٧) وحسنه الحافظ في الفتح (٢/ ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>