الإِقامة، وسمي بذلك؛ لأن الإِنسان يسفر بذلك عن نفسه، فبدلاً من أن يكون مكنوناً في بيته أصبح ظاهراً بيِّناً بارزاً، ومنه قوله تعالى: ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ *﴾ [المدثر] أي: تبين وظهر.
وقال بعض العلماء: إنما سمّي السفر سفراً؛ لأنه يسفر عن أخلاق الرجال، أي: يوضحها ويبيّنها، فإن كثيراً من الناس لا تعرف أخلاقه ولا حسن سيرته إلا إذا سافرت معه، وكان بعض القضاة من السلف إذا شهد شخص لآخر بتزكية قال له: هل سافرت معه؟ فإن قال: لا، قال: هل عاملته؟ قال: لا، قال: إذن لا تعرفه.
فالسفر يبيّن أخلاق الرجال، وكم من إنسان في البلد تراه كل يوم وتشاهده ولا تعرف عن أخلاقه ومعاملاته شيئاً، فإذا سافرت معه تبين لك من أخلاقه ومعاملاته، لا سيما فيما سبق من الزمان حيث كانت الأسفار تستمر أياماً كثيرة، أما سفرنا اليوم فإنه لا يبيّن عن أخلاق الرجال؛ لأن السفر من الرياض إلى القصيم في الطائرة في خمس وثلاثين دقيقة. ولكن الأسفار الطويلة هي التي تبيّن الرجال.
وقوله:«سفراً مباحاً» هذا هو الشرط الأول للقصر. والمراد بالمباح هنا: ما ليس بحرام ولا مكروه، فيشمل الواجب والمستحب والمباح إباحة مطلقة، لأن الأسفار تنقسم إلى خمسة أقسام: