[النساء: ١٠١] فقال: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ﴾ ونفي الجناح هنا لا يعني ارتفاع الإِثم فقط كقوله: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ [البقرة: ١٥٨] بل معناه انتفاء المانع، أي: ليس بمانع أن يطوف بهما، وليس بمانع أن تقصروا من الصلاة، فإذا انتفى المانع نرجع إلى ما تقتضيه الأدلة الأخرى، فالأدلة الأخرى في الصلاة تقتضي أن القصر راجح على الإِتمام.
والدليل فعل النبي ﷺ: «فإن النبي ﷺ كان إذا سافر صلّى ركعتين (١)، ولم يحفظ عنه ﷺ أنه صلّى أربعاً في سفر قط، بل في كل أسفاره الطويلة والقصيرة كان يصلي ركعتين.
وأما إجماع المسلمين: فهذا أمر معلوم بالضرورة، كما قال ابن عمر:«إنِّي صَحِبتُ رسولَ الله ﷺ في السَّفَرِ، فلم يَزِدْ على ركعتين حتى قَبَضَهُ اللهُ، وصَحِبتُ أبا بكرٍ؛ فلم يَزِدْ على ركعتين حتى قَبَضَهُ اللهُ، وصَحِبتُ عُمَر فلم يَزِدْ على ركعتين حتى قَبَضَهُ اللهُ، ثم صَحِبتُ عثمان فلم يَزِدْ على ركعتين حتى قَبَضَهُ اللهُ»(٢).
ولكن في دليل الكتاب شيء من التوقف والإِشكال، وهو أن الله تعالى قال: ﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٠١] فقيد الله ﷿ هذا بخوف الفتنة من الكفار، والمراد بخوف الفتنة هنا: أن يمنعوكم من إتمام
(١) و (٢) أخرجه البخاري، أبواب تقصير الصلاة، باب من لم يتطوع في السفر (١١٠٢)؛ ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة المسافرين وقصرها (٦٨٩) (٨).