وهذا قول وسط اختاره كثير من علمائنا المعاصرين وغير المعاصرين.
القول الثالث: لا يصلى على الغائب إلا على من لم يصلَّ عليه. حتى وإن كان كبيراً في علمه، أو ماله، أو جاهه، أو غير ذلك، فإنه لا يصلى عليه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀.
واستدل لذلك: بأن الصلاة على الجنازة عبادة، والعبادة لا تشرع إلا من الكتاب والسنة، ولم يحفظ عن النبي ﷺ أنه صلى على غائب إلا على النجاشي؛ لأنه مات بين أمة مشركة، ليسوا من أهل الصلاة، وإن كان أحد منهم آمن، فلا يعرف عن كيفية الصلاة شيئاً. فأخبر به النبي ﷺ في اليوم الذي مات فيه، وهو في الحبشة، والرسول ﷺ في المدينة وقال:«إنه مات عبد لله صالح»، وفي بعض الروايات:«إن أخاً لكم قد مات ثم أمرهم أن يخرجوا إلى المصلى»(١)، فالاستدلال بصلاة النبي ﷺ على النجاشي لا يصح؛ لأنه لا يصح الاستدلال بالأخص على الأعم، لكن يستدل بالأعم على الأخص؛ لأن العام يشمل جميع أفراده، فقضية النجاشي قضية خاصة، وليست لفظاً عاماً.
قوله:(أمرهم أن يخرجوا إلى المصلى): إما مصلى الجنائز؛ لأنه في عهد الرسول ﷺ كان للجنائز مصلى خاص، وإما مصلى العيد، والحديث محتمل للقولين، وبكل من القولين قال بعض العلماء.
(١) أخرجه البخاري (١٢٤٥)؛ ومسلم (٩٥١) عن أبي هريرة ﵁.