لو كان قد عجل الصدقة لقال للسعاة: إنني قد أخرجتها أو قدمتها، ولا يقولون: منع العباس، وكانت هذه السياسةُ سياسةَ عدلٍ، وعمر بن الخطاب ﵁ كان من سياسته إذا نهى الناس عن شيء جمع أهله، وقال لهم: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم ـ أي: إن الطير إذا رأى اللحم انقض عليه ـ وإني لا أعلم أن أحداً منكم عمل هذا إلا أضعفت له العقوبة، فيعاقب الناس مرة وقرابته مرتين؛ لأن هؤلاء سوف يحتمون بقرابتهم منه، وفي القرآن الكريم ما يشير إلى هذا قال الله تعالى: ﴿يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ [الأحزاب: ٣٠].
فالحاصل أن الذي يظهر لي: أن قوله في العباس ﵁: «هي علي ومثلها» من باب التضعيف عليه لكونه احتمى بقرابته من النبي ﷺ، أما حديث أبي عبيد فإن صح فهو دليل مستقل لا علاقة له بهذه القصة.
وأما الدليل النظري؛ فلأن تعجيل الزكاة من مصلحة أهل الزكاة، وتأخيرها إلى أن يتم الوجوب من باب الرفق بالمالك، وإلا وجب عليه أن يخرج زكاته من حين ملك النصاب، كما وجب عليه إخراج زكاة الزرع من حين حصاده، فإذا كان هذا من باب الرفق بالمالك، ورضي لنفسه بالأشد، فلا مانع.
وقوله:«لحولين فأقل» يفهم منه أنه لا يجوز تعجيل الزكاة لأكثر من حولين.